هسبريس: خاص جدا إلى زملائي القضاة.. لا تلوموا الصحافـــة



محمد المنصوري عضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب
للزميلة المحترمة التي تلوم الصحافة في سياق تطرقها إلى نبأ قاضي الجديدة ، أقول لها لا تلومي الصحافة ، فهي تقوم بعملها في تبليغ الأخبار للعامة ، وهي في ذلك خاضعة لقانون الحريات العامة ومقتضيات القانون الجنائي في أي تجاوز غير مبرر له، وأحكامنا سابقة في الموضوع ، أما ونحن نتطرق إلى موضوع الفساد في القضاء فهو موضوع ذو شجون ولنا فيه كثير من الرأي والكلام لا يسع المجال لذكره ،



غير أنني أعتقد بأن منهجية تناول الموضوع يجب أن تعتمد على مقاربة نقدية أكثر منها دفاعية ، فالقضاء كان ولا يزال ليس كالوظائف العامة وإن صح التعبير هو ليس بوظيفة ، وإنما هو رســـــالة مقدسة تهدف إلى تحقيق أسمى غاية هي أجل أسماء الله الحسنى "العــــدل " الذي تنشق منه العدالة ، ولقدسية الرسالة فإن الخطأ فيها لا ينظر بمثيل قدره في الوظائف الأخرى ، ومن تم فالقاضي من حيث وضعه وهيبته ليس كباقي الناس ، أو على الأقل هذا ما نطالب به ، ومن تم فإننا قبل أن نلوم الصحافة أو ننعتها بالتحامل ، علينا أن نلوم أنفسنا ، فقضية إشهار الزلات سوف لن نسلم منها حتى في موقف الحشر حيث تشهد علينا أرجلنا وأيدينا بما كنا نكسب ، أما وما استحسن من عمل فلا ننتظر فيه الإعتراف أو الجزاء إلا من الله ، لأن جزاء الرسالة يختلف ويعلو شأنه عن الجزاء في باقي المهام الأخرى ، وإن حصل الإعتراف به فهو مستحسن ، وان كان لن يوفي حقه ، أما مقاربتي لموضوع الفساد أو إصلاح ما فسد ، فهو يدور في فلك آية عزيزة كتب بشأنها المفسرون كثيرا من الكلام ، هي قوله عز وجل " ...إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ... " الآية ،



وهنا أتذكر ما قرأته في التسعينات عن هذه الآية الكريمة للدكتور "جودت سعيد" في كتاب صغير له بعنوان "حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهو يطرح منهجية النقد الذاتي في الإصلاح ، بمعنى إن كنا نبغي حقا خيرا لهذه الرسالة وهو سيعم طبعا على القضاة والبلاد فإنه يتعين علينا أن نعالج امراضنا من الداخل وليس الإرتشاء إلا واحدة منها وإن كانت نسبتها قليلة فالعبرة بجسامة الخطأ و ليس بعدده ، فكم من قاضي يتحدث للمحامي أو لمساعد للعدالة عن زميله بالسوء ، ويطعن في شرفه دون أيما حجة لديه ، وكم من قاضي يفشي أسرار زميله للمسؤول القضائي إما تقربا لهذا الأخير أو حسدا منه للأول على تفوقه أو بغية حضوة زائلة أو حاجة رخيصة وكم وكم وكم ... ،



صدقيني أيتها الزميلة ومعك باقي الزملاء في المهنة ، أن الغير ينظر إلينا بصورة تختلف جذريا عن تلك التي نراها نحن ، لذلك فالموضوعية قد تكون قاسية غير أنها منصفة ومنتجة ، وأرجو أن يفهم كلامي في إطاره الصحيح ، غير أننا ولله الحمد بقدر ما نشمئز لمثل هذه الأخبار بقدر ما نعتز بوجود قضاة قل مثيلهم في العالم بأسره وأنا على اضطلاع بأسرار مجموعة من القضاة ، لا يسعنا إلا أن نقف إجلالا لهم ، إلا أنهم يعملون في صمت ،



أما ونحن نطالب في هذه الفترة و لا زلنا إلى الآن بتحسين وضعية القضاة ، فإنه لو تحقق فعلا فهو لسد الذريعة ، وليس للقضاء على الرشوة ، فمثلا قاض من درجة عليا ويتقاضى أجرا لا بأس به وإذا ما تحسنت وضعيته قد يضاعف ، فهل معنى ذلك أنه اكتفى به ، لا أعتقد ، والمبلغ الذي كان سيتسلمه كرشوة ليس إلا فرصة واحدة من فرصه التي شيء لها أن تفضح ، وقم بالعملية الحسابية بنفسك واستنتج لي كم يجب أن يتقاضى القاضي حتى نقول أننا حققنا الإصلاح وقضينا على الفساد والإرتشاء ، وعليه فإنه لن يقبل من بعد من القاضي أن يتذرع بعدم كفاية الأجر لسد حاجياته ، و إلا سيكون العيب منه وليس من الأجر ، أو ذلك القاضي الحديث العهد بالقضاء ، فهو لوث يده بوسخ الرشوة قبل ان يتذوق طعم تعب المهنة وسهرها بعد ، أي لا زال عظمه طري ، ونسي بالأمس القريب أنه كان يحمل الإجازة و لا يتوفر على مقابل "كوب قهوة" ،



وبالطبع فإنه لم يتعاقد مع الدولة أنه بعد حصوله على الإجازة عليها أن تدمجه في القضاء ، وقد تكون هذه المهنة من أضعف احتمالاته في ظروف قلت فيه فرص الحصول على الوظيفة ، وإن توفرت له ، فلم تتوفر للمآت من الطلبة كانوا ربما لا بل أكيد أكفأ منه ، وهو اليوم أصبح قاضيا يرتذي بذلة القضاء ويجلس في منصة الحكم ، ويقضي بين الناس ، فهل تذكر ولو للحظة ظروف الأمس ، وليس معنى هذا أننا سنتراجع عن مطالبنا المشروعة لحفظ الكرامة وماء الوجه وتحصيننا من أية زلة قد تزيغ فيها أنفسنا ، "إن النفس أمارة بالسوء ،..." ، ولنا عدة تصورات جديدة سنطرحها في الاجتماع المقبل للمجلس الوطني لنادي القضاة ، وسنكشف عن وضعياتنا المادية بكل صراحة ومسؤولية حتى يعلم المغاربة أن لهم قضاة يعتزون بهم ، وهذا لا يمنعنا أن تحدث عن مشاكلنا من الداخل ، هذا الطرح لن يزيدنا إلا قوة واستماتة ونحن ماضون في طريقنا ، وإنها ليست إلا البداية ، ولكم مني كل التحية والتقديــــر ،







via MarocDroit موقع العلوم القانونية http://www.marocdroit.com/هسبريس-خاص-جدا-إلى-زملائي-القضاة-لا-تلوموا-الصحافـــة_a3223.html