الملف الشهري: سلطة الحاكم في العفو عن العقاب وفق أحكام الشريعة الإسلامية

http://www.marocdroit.com/photo/art/default/5780389-8616943.jpg
محمد عرفاوي طالب باحث بسلك الماستر
الملف الشهري: سلطة الحاكم في العفو عن العقاب  وفق أحكام الشريعة الإسلامية

                                   
                                    
 
الأصل أن ولي الأمر في الإسلام هو الذي تناط به رعاية مصالح الرعية العامة، فهو ولي من لا ولي له كقاعدة شرعية، وهو في نفس الوقت ممثلاً عن الجماعة فهو وكيل يرعى بموجب هذه الوكالة مصلحة الجماعة المتمثلة في إقامة الدين والمحافظة على بقاء الجماعة متماسكة وفي هذا الصدد جاء على لسان صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه ل 17يونيو 2011 "...وتتمثل الدعامة الأولى في التشبث بالثوابت الراسخة للأمة المغربية التي نحن على استمرارها مؤتمنون،وذلك ضمن دولة إسلامية،يتولى فيها الملك،أمير المِؤمنين،حماية الملة والدين،وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية..."وفي نفس هذا السياق جاء في مضامين الخطاب الملكي كذلك"...وفصل اخر يحدد مكانة الملك كرئيس للدولة وممثلها الاسمى ورمز وحدة الامة والضامن لدوام الدولة واستمرارها..." جاء كذلك في الفقرة الثانية من تصديرة دستور29يوليوز2011 "...المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة...".

من هذه المنطلقات السالف ذكرها سوف اقتصر في مقالي هذا على سلطة ولي الامر في العفو عن العقوبة وفق احكام الشريعة الاسلامية ،وذلك اعتبارا لانها من ثوابث الامة في حياتها العامة الفقرة الثالثة من الفصل الاول من دستور 2011 ،وكذلك لتطرق مجموعة من الاساتذة والمهتمين والباحثين الاجلاء بمقالتهم القيمة من الناحية الدستورية والقانونية والتي تعطي للملك بصفة قطعية جواز العفو  عن المحكوم عليهم بأحكام قضائية نهائية حيث لايجوز للحاكم التدخل بالعفو أثناء نظر القضايا على حسب علمي،ولم يتحدثوا عن الموضوع من الناحية الشرعية ومقالي المتواضع هذا ياتي ليذكر بأنه يوجد في نظامنا الاسلامي ذخيرة مهمة من الكتاب والسنة  تتحدث عن العفو لكن لا توجد هناك نظرية منظمة ومبوبة، لكن المادة الخام موجودة لتشكيل نظرية اسلامية تنظم لنا مسالة العفو خاصة وان دستور المملكة يقر بان المملكة المغربية دولة اسلامية.وسأقوم بسرد أدلة من الكتاب التي تحدث عن العفو " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام "المائدة 95 " ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون " البقرة 52 " ومن يغفر الذنوب إلا الله " آل عمران 135 " ولقد عفونا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " آل عمران 152 " ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم " آل عمران 155 " كتب ربك على نفسه الرحمة من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب من بعد وأصلح فإنه غفور رحيم " الأنعام 54 " وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات "الشورى5

ومما وصف الله به رسوله الكريم (ص) أو أمره به قوله عز شأنه " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم " آل عمران 159 " ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح " المائدة 13 " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن الكثير : المائدة 15 "
لهذا فإننا سنناقش سلطة ولي الأمر في العفو عن العقاب وفق احكام الشريعة الاسلامية  على النحو الآتي:

أولاً: يظهر بجلاء المساحة الواسعة في العفو عن العقوبة لولي الأمر في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة وفي نطاق أوسع جرائم التعازير (الجرائم الماسة بأمن الدولة)، فلولي الأمر بحسب القاعدة الفقهية أن يتصرف على الرعية وفق المصالح العليا، والشريعة الإسلامية تعطي لولي الأمر الحق في العفو عن العقوبة كلها أو بعضها متى كانت التعازير واجبة حقاً لله تعالى، سواءً أكانت الجريمة التعزيرية من الجرائم التي قررت الشريعة الإسلامية العقوبة لها أو من الجرائم التي يقرر مقدار عقوبتها ولي الأمر.

أما التعازير الواجبة حقاً للأفراد فلا يجوز لولي الأمر العفو عنها، وإنما حق العفو عنها مخول للأفراد، فإذا عفوا فإن هذا لا يمنع ولي الأمر من التعزير الواجب حقاً لله أو العفو عنه.
ثانياً: إن صور العفو عديدة من حيث نوع الجريمة أو العفو عن العقوبة كلها أو بعضها بعوض أو بدون عوض، ومن حيث من يملك العفو فالأصل أن ولي الدم هو من يملك العفو في الجرائم الخاصة إلا أن الصورة الأكثر اتساعاً في العفو هي لولي الأمر، وذلك نظراً لاتساع العقوبات المقررة على التعازير والعقوبة عن الجرائم التي تندرج في نطاق جرائم الخطر وهي ما نسميها جرائم أمن الدولة، ولكون ولي الأمر له السلطة والولاية الإدارية والسياسية في إدارة شؤون الأمة وهو يقدر المصالح المرعية لها، وفق قاعدة «التصرف على الرعية منوط بالمصلحة»، فكان الحال أن يمنح صلاحيات أوسع في العفو. 


ثالثاً: يتبين أن العفو عن العقوبة هو إحدى صور سقوط العقوبة وهو الصورة الأشمل والأكثر أهمية

رابعاً: مبادئ التشريع الجنائي الإسلامي مبادئ عامة ومجردة تطبق على جميع الافراد بدون استثناء لا تحابي أحداً على حساب آخر، وهذا ما حفظ للشريعة الإسلامية مكانتها ومهابتها في النفوس.

خامسا: رغم أن الشريعة الإسلامية قد حثت على العفو ورغَّبت فيه إلا أنه قد حددت معايير وضوابط دقيقة وواضحة وهو تحقيق المصالح العليا للأمة وحفظ حقوق الأفراد والجماعات 

سادساً: وظائف العفو بصوره العديدة لها أهمية كبرى وبصورة خاصة ما يلي: إنه وسيلة لإسدال الستار عن العقوبات في الجرائم السياسية وإضفاء مباهج الفرح والسرور والوئام بين أفراد المجتمع، وهو ما يندرج ضمن العديد من القواعد الأصولية والفقهية ومنها قاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع وإذا تسلسل انقطع).

-1انه السبيل إلى إصلاح الأخطاء القضائية التي تظهر بعد استنفاد طرق التقاضي ولا مجال لمعالجتها إلَّا بالعفو من ولي الأمر.
 -2إنه وسيلة لمكافأة كل من يتعاون في إبلاغ الدولة عن الجرائم الخطرة، وتمكين السلطات عن كشف المجرمين قبل استكمال جريمة ما أو عدد من الجرائم ذات الخطر العام.
-3مكافأة أيضاً لمن حسن سلوكه في المجتمع أو تعاون مع السلطات العامة في كشف الجرائم وتتبع مرتكبيها.

-4 وهو وسيلة لتشجيع التائبين عن الجرائم كما هو الحال في حق من يتوب من ارتكاب جرائم الحرابة قبل القدرة عليه.

سابعا: هناك صور من العقوبات مستثناة من العفو لبشاعتها وخطورتها على كيان الأمة وأهمها: 

في جرائم الحدود الأصل هو عدم العفو فيها إلا أن الفقهاء استثنوا من ذلك وفقاً للنصوص الشرعية حالة التوبة الصادقة قبل القدرة عليه في حالة الحرابة.

 وكذا في جميع جرائم الحدود إذا عفى المجني عليه قبل أن يصل إلى ولي الأمر فما وصل إليه وجب العقاب.

في جرائم القصاص الأصل أن العفو فيها لولي الدم إلا أن الفقهاء استثنوا بعض صور العفو في حالة القتل في الحرابة وقتل الغيلة، وكذا قتل الأئمة وهذه الحالات هي ما تدخل في الاصطلاح القانوني الجرائم ذات الخطورة الاجتماعية التي يعاقب عليها الجاني حتى وإن عفى ولي الدم لخطورة الجريمة وتكون العقوبة تعزيراً. 

أما في جرائم التعازير فالأصل في إيقاع العقاب فيها لولي الأمر إذا لم تخص الأفراد وليس هناك ما يمنع العفو إلا أن المشرع استثنى من التعازير حالات لا يجوز فيها العفو وهي:
حقوق الآدميين التي يطالب فيها: في الحالات التي تقتضي مصلحة الأمة إيقاع العقاب فيها للردع والزجر كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التسعة نفر يوم فتح مكة الذين أهدر دماءهم وأمر بقتلهم حتى وإن كانوا تحت أستار الكعبة.

وخلاصة القول إن قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية تُعطي لولي الأمر مساحة واسعة في العفو عن الجرائم التي تسمى في المصطلح القانوني الحديث جرائم الخطر (جرائم أمن الدولة) وتقيد سلطة ولي الأمر في العفو بمعيار دقيق كما قلنا وهي مدى تحقق المصلحة العليا للأمة من عدمه كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، لقوله تعالى: ((إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيم)) وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود))، إذاً فالغاية المقصودة من تنفيذ أي عقاب هي إصلاح المحكوم عليه وردعه وتأهيله وتحقيق الردع العام في نفوس الآخرين، فإذا تحققت ذلك بالعفو فهو الأولى للعافي والمعفو عنه بل وربما والمجنى عليه، ونطاق العفو لا يقتصر على عقوبة دون أخرى ولكن يشمل كل الحالات إذا توافرت مبرراتها، ولا ينبغي هنا أن نخلط بين العفو العام (العفو الشامل) والعفو القانوني والعفو القضائي بل لكل نوع من هذه الأنواع أحكامها الخاصة, وما يهمنا هنا هو العفو الذي يصدره ولي الأمر باعتبار ذلك العمل عملاً إدارياً ذا طبيعة سياسية وطبيعة سيادية لا يخضع لرقابة القضاء، والإسلام كما نعلم حث في كثير من الآيات والأحاديث على العفو والتي سبق ذكرها فهو خير للعافي والمعفو عنه, وكذا على المجتمع الذي يتضرر غالباً بسبب البلاء الذي يحل به من جراء العداوات والأحقاد، فمن السياسة الحكيمة العفو عن العقوبات في هذه الحالات. 

    هذا مجرد مقال بسيط يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب استنادا الى قوله صلى الله عليه وسلمإذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.

والله اعلم




المصدرhttp://www.marocdroit.com/الملف-الشهري-سلطة-الحاكم-في-العفو-عن-العقاب-وفق-أحكام-الشريعة_a3849.html




ifttt
Put the internet to work for you. via Personal Recipe 2937150