مقدمة: إنّ للبصمات تاريخ عريق، حيث من الثابت أنه عند ظهور الأديان السماوية كانت هناك فكرة عن البصمات، فالقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدلّ على معرفة البصمات، وهذا في الآية الكريمة في قولدراسات مقارنة: البصمة الوراثية ودورها في مجال الإثبات الجنائي

http://www.marocdroit.com/photo/art/default/5726790-8538099.jpg
د عبد العزيز خنفوسي أستاذ مساعد قسم (أ كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الدكتور مولاي الطاهر بسعيدة، الجزائر.
  مقدمة: إنّ للبصمات تاريخ عريق، حيث من الثابت أنه عند ظهور الأديان السماوية كانت هناك فكرة عن البصمات، فالقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدلّ على معرفة البصمات، وهذا في الآية الكريمة في قولدراسات مقارنة: البصمة الوراثية ودورها في مجال الإثبات الجنائي
 
 
مقدمة:

إنّ للبصمات تاريخ عريق، حيث من الثابت أنه عند ظهور الأديان السماوية كانت هناك فكرة عن البصمات، فالقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدلّ على معرفة البصمات، وهذا في الآية الكريمة في قوله تعالى:" أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه، بلى قادرين على أن نسوي بنانه"، ومعنى الآية الكريمة أنّ الله عز وجل سيبعث الخلق كل ببصماته، وهذا حتى يقنع الملحدون بقدرة الله تعالى، وهي تدل بتفسيرها على معجزات الخالق في خلقه باختلاف كل أصبع عن الآخر بما عليه من بصمات.
وتُعد البصمات عموما أداة أساسية لتحقيق الشخصية، وهي تتميز بمميزات كثيرة منها:

  • الثبات وعدم التغير.
  • عدم انطباق بصمتين.
  • عدد العلامات المميزة لتطابق البصمات.
والبصمات تعتبر الوسائل العلمية القاطعة الدلالة، لأنّ بها ينعقد الجزم واليقين لدى القاضي لا الظن والاحتمال، أو بمعنى آخر تلك الأدلة التي يُمكن للقاضي الجنائي أن يستند إليها بمفردها للربط بين المتهم والجريمة التي وقعت دونما الحاجة  إلى تعزيزها بأدلة أخرى.
وتستمد هذه الأدلة قوتها في الإثبات الجنائي من التقدم التقني والفني للأجهزة العلمية الحديثة التي تعاملت مع الدليل الجنائي، بمقومات الشخصية الكامنة في الكيان الإنساني، والمصطبغة بخصائص الفردية والذاتية التي ينفرد بها عن غيره، ويُعرف بها مثل بصمات الأصابع، الشفرة الوراثية، بصمة المخ، بصمة تشققات الجلد، بصمة الأذن، بصمة الشفاه...
وعليه سنحاول من خلال هذا المقال أن نتطرق إلى موضوع البصمة الوراثية، وهذا من خلال الوقوف على: ماهيتها، أهميتها كدليل إثبات في كشف الجرائم المستعصية والغامضة، إعطاء أمثلة عن مجموعة من الجرائم تم كشفها باستعمال هذه البصمة، تطبيقاتها وفقا للتشريع الجزائري.

أولا: ماهية البصمة الوراثية

إنّ البصمة الوراثية هي تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حمض الـ(DNA) المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه، ويظهر هذا التحليل في صورة شريط من سلسلتين كل سلسلة له بها تدرج على شكل خطوط عريضة مسلسلة وفقا لتسلسل القواعد الأمينية على حمض الـ((DNA، وهي خاصة لكل إنسان تميزه عن الآخر في الترتيب، وفي المسافة ما بين الخطوط العرضية، وتمثل إحدى السلسلتين الصفات الوراثية من الأب صاحب الماء، وتمثل السلسلة الأخرى الصفات الوراثية من الأم صاحبة البويضة.
وعلى الرغم من أنّ عددا من التشريعات الوضعية نصّت على البصمة الوراثية في قوانينها الداخلية، وأقرّت العمل فيها في محاكمها كدليل نفي أو إثبات في المجالات المدنية والجنائية، إلا أنها لم تتعرض لتعريفها أو تحديد مفهومها تاركة الأمر للفقه للقيام بتلك المهمة، وتاركة للتعبير الطبي في هذا المجال الدور الكبير، وذلك لأنّ الفقه القانوني لم يشغل باله كثيرا في البحث عن تعريف قانوني للبصمة الوراثية، وهذا لأنه موضوع يدخل في المجال العلمي بقدر أكبر من دخوله في الجانب الفقهي (1)، إذ إنّ تعريفه لا مجال فيه لتغيير عناصر أو إدخال عناصر جديدة، أو الاختلاف في الآراء بين الفقهاء، بل هو تعريف علمي يشمل عناصر واحدة لن تختلف باختلاف التعارف والآراء.
ويتواجد الحامض النووي للإنسان في نواة الخلية، وعلى ذلك فمكونات جسم الإنسان التي لا تحتوي على خلية ذات نواة لا تحتوي على الحامض النووي مثل: العرق، البول، الدموع.
وأما الأماكن التي يمكن تواجد الحامض النووي فيها في جسم الإنسان هي: الدم، أنسجة الجلد، العظام، الأظافر، والشعر بشرط وجود البصلة السيسائية، المني، اللعاب، جذور الأسنان.

ثانيا: أهمية البصمة الوراثية

للبصمة الوراثية أهمية واسعة في العديد من المجالات، ولكن مجال بحثنا متخصص في العلوم الجنائية، وبالتالي فإننا نقتصر في الحديث عن أهمية البصمة الوراثية في هذا المجال، ونذكر من أهم نقاط أهمية البصمة الوراثية ما يلي:

  • هي أساس الفصل الدقيق في جرائم السرقة والقتل والاغتصاب، إذ يمكن استعمال أي شيء متخلف عن المجرم في مكان الجريمة (كجزء من جلده أو لحمه أو دمه أو شعره أو لعابه أو منيه...)، والتي يُمكن استخلاص (DNA) منها ولو مرّ عليها وقت طويل.
  • يتيح استخدام البصمة الوراثية اكتشاف آلاف الجرائم التي قيّدت ضد مجهول، وفتحت التحقيقات فيها من جديد، وقد برّأت البصمة الوراثية مئات الأشخاص من جرائم القتل والاغتصاب، كما أدانت آخرين، ولعلّ من أشهر الجرائم التي ارتبط اسمها بالبصمة الوراثية هي قضية الدكتور "سام شبرد" الذي أدين بقتل زوجته ضربا حتى الموت في عام 1955 أمام محكمة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، أين تحولت القضية إلى رأي عام، ووسط الضغط الإعلامي أغلق ملف كان يذكر احتمالية وجود شخص ثالث وُجدت آثار دمائه على سرير المجني عليها أثناء المقاومة، وقضى الزوج الدكتور "سام" في السجن عشر (10) سنوات، ثم أعيدت محاكمته عام 1965، وحصل على براءته التي لم يقتنع بها الكثيرون حتى جاء عام 1993، وهذا حينما طلب الابن الوحيد للدكتور سام فتح القضية من جديد، وتطبيق اختبار البصمة الوراثية والتي أكدّت أنّ الدماء الموجودة على السرير ليست دماء الدكتور "سام شبرد"، بل دماء صديق العائلة، وأدانته البصمة الوراثية وأسدل الستار على أطول محاكمة في التاريخ عام 2000، وهذا بعد أن حدّدت البصمة الوراثية كلمتها في هذا الخصوص (2).
  • هي أدق القرائن في قضايا النسب العائلي، والبنوة، وكذلك في قضايا الإرث وتوزيع التركات والأملاك، وتأخذ المحاكم في أوروبا و أمريكا بنتائج هذه التقنية الوراثية منذ اكتشافها عام 1985 ، حيث فصل البروفيسور "أليك جيفري" عن طريق البصمة الوراثية في إحدى قضايا الهجرة، والجنسية البريطانية.
  • تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية حاليا بتصنيف حمض الـ (DNA) لجميع المواليد، وهذا ليسهل تعيين هوية (شخصية) من يُخطف منهم، ويسهل العثور عليه. وهذا يساعد أيضا في المستقبل البعيد في سهولة معرفة هوية الأشخاص الجُناة أو المجني عليهم من هؤلاء الأطفال، وبالتالي إيجاد حلول للجرائم بفترة زمنية قصيرة، فلو افترضنا أنّ الجزائر قامت بإدخال البصمة الوراثية لجميع المواليد على الأنظمة الحاسوبية، فقد تأتي فترة من الزمن ليست ببعيدة يكون فيها جميع سكان الجزائر لهم (DNA) مخزّن على النظام الحاسوبي، فبمجرد وقوع الجريمة يجري وضع عينة  (DNA) على جهاز الحاسوب، ويظهر اسم الشخص من معلوماته الكاملة المخزنة على الجهاز، وهذا ما نتمنى من الحكومة الجزائرية أن تقوم به وفق الإمكانيات المتوفرة حاليا لديها.
ثالثا: التطبيقات العملية للبصمة الوراثية كدليل إثبات جنائي

إنّ دور البصمة الوراثية في الإثبات الجنائي لم يقف عند حد تقديم وسيلة جديدة لحسم المنازعات في مسائل النسب والبنوة، بل لعبت البصمة الوراثية دورا كبيرا في إثبات الاتهام في الجريمة ونسبتها إلى الجاني، وفي تحديد هوية المجني عليه وغيرها.
فعلى الرغم من تطور استخدام الوسائل الحديثة في الجرائم ومحاولات المجرمين للإفلات من العقاب، إلا أنّ ظهور البصمة الوراثية جاء ليكون منفذا للعدالة التي قد تضيع في ظل هذا التطور في أساليب الإجرام (3).
والتطبيقات العملية للبصمة الوراثية في مجال الإثبات هي خير شاهد على ما قامت به البصمة الوراثية في مجال الفصل في الدعوى.

1- الولايات المتحدة الأمريكية:

  • المثال الأول: من أبرز القضايا التي استخدمت فيها تحاليل البصمة الوراثية في الولايات المتحدة الأمريكية هي قضية الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون"، ومواقعته جنسيا لـ"مونيكا لونيسكي" المتدربة بالبيت الأبيض، واضطراره للاعتراف بواقعة الزنا بمجرد التلويح له بتحليل عينة من سائله المنوي الموجود على قطعة (الفستان الأزرق) من ملابس مونيكا.
  • المثال الثاني: قيام أحد الأشخاص بالسطو على منزل، وقيامه بالشروع في اغتصاب المجني عليها في المنزل في شهر سبتمبر عام 2000، حيث لم يتمكن المتهم من إتمام عملية الاغتصاب بسبب ما حدث من مقاومة له من كلب في المنزل، فقد هجم الكلب على المتهم بسبب صراخ المجني عليها، فعلقت بعض شعيرات الكلب بملابس المتهم، الأمر الذي ساعد العدالة على تقديم دليل قوي ضد المتهم الذي كان ينكر ارتكابه للجريمة.                   
 
2- المملكة المتحدة:

كانت الفتاة "جوليا بيانيس" البالغة من العمر(18) سنة  مع أصدقاءها بمدينة (فو كفليد) يوم الجمعة (29/10/1993) عائدين إلى المنزل، ولم تصل جوليا لمنزلها ثم اكتشفت جثتها ملقاة على الأرض بعد تعرضها لعملية اغتصاب وحشية، وضرب مبرح أدى لوفاتها، وكنتيجة للبحث في هذه القضية تمّ أخذ عينات دماء من عدّة مئات من الرجال المقيمين بتلك الناحية وضواحيها، وأدت طرق الفحص بأسلوب البصمة الوراثية بطريقة المسح الجماعي إلى اكتشاف الفاعل، وكانت الحالة رقم (111) لرجل يدعى "شهيد محمود"، حيث تطابقت بصمته الوراثية مع تلك المأخوذة كعينة مهبلية من الضحية، وتمّ تقديمه للمحاكمة حيث أدين وحكم عليه.
3- المجر:
وقع حادث انفجار خلال سنة 2012 في اثنين من الأماكن العامة بالمجر يفصل بينهما مسافة حوالي (30) كيلومتر، وخلال تلك الفترة الزمنية تسلم عدد من المقاولين بضعة خطابات سوداء! وعن طريق تقنية البصمة الوراثية أمكن تحليل بقايا اللعاب الموجود على تلك الخطابات، ومن ثم أمكن تحديد أنّ شخصا واحدا هو الذي قام بإرسال هذه الخطابات، ونتيجة القبض على أحد المشتبه فيهم، وتحليل عينة من دمائه بتقنية البصمة الوراثية تطابقت مع عينات اللعاب على أظرفة الخطابات، وتمّ تقديمه للمحاكمة حيث أدين.

4- المملكة العربية السعودية:

وهذه الحادثة ذكرها ممثل معمل الأدلة الجنائية للعلماء في مقرّ رابطة العالم الإسلامي بمكة أثناء مناقشة موضوع البصمة الوراثية، وحاصل القضية أنّ امرأة ادعت أنّ أباها اعتدى عليها جنسيا وحملت منه، وكان احتمال تصديقها ضعيف وهذا لأنّ الأب في الستينات من العمر، ولقوة العلاقة التي تجمعها بالمتهم تم تأجيل التحليل حتى وضع الحمل لئلا يتضرر الجنين، وعندما تمّ الوضع ومن خلال التحاليل وُجد أنّ الطفل لا علاقة له بالمتهم (الأب) والأغرب أنّ له علاقة بالمرأة المدعية، فاتضح أنّ القضية فيها تلاعب، وأنّ أيدي خفية وراءها، فالنفي عن المتهم لا إشكال فيه، أما النفي عن المرأة الحامل فيه تصادم مع الواقع، وبالرجوع لأسماء المواليد الذين ولدوا في نفس اليوم بالمستشفى اتضح أنهم بلغوا (30) طفلا، وعند حصر الصفات المطلوبة انحصرت في (12) طفلا تم الاتصال بذويهم واحدا واحدا حتى تم التوصل للطفل المطلوب، واتضح أنّ بصمته الوراثية دلت على ارتباطه بالمتهم (الأب)، وأنّ هناك طفلا لقيطا أدخل المستشفى في نفس اليوم، وعند التسليم تم التبديل لإخفاء الحقيقة.
 
 
 
رابعا: تطبيق البصمة الوراثية في ظل التشريع الجزائري

في الكثير من الجرائم يترك الجناة أو الجاني بعض الأشياء المستعملة في الجريمة، كقضيب من الحديد أو الخشب أو غيرها من الأدوات، لذا نصّت المادة (68 من ق.إ.ج) على ما يلي:" يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة".
فالبصمات تعتبر أهم الأدلة الجنائية التي يقوم بها رجال الضبطية القضائية على أخذها من مكان الجريمة، وهي متنوعة فقد تكون بصمات اليد أو القدم، فهي دليل قاطع في إثبات الجريمة وإلحاقها بمتهم معين أو عدة متهمين إذا كانت البصمات متعددة، وتشير الدراسات التاريخية أنّ العرب قد استعملوا هذه الطريقة قديما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحراء من أجل تتبع الآثار(4).
فالبصمة إذن دليل مادي قاطع لابد من اللجوء إليه بعد اكتشاف الجريمة مباشرة، لكن الناحية  من العملية نجد أنّ بعض المتابعات لا تُأخذ فيها البصمات من طرف الضبطية القضائية رغم الإمكانيات المادية المتوفرة بكثرة، وعلى رجال الضبطية القضائية والنيابة توظيف هذه الآلية باعتبار أنّ وكيل الجمهورية هو أول من يعلم بوقوع الجريمة عن طريق الضبطية القضائية، وقاضي التحقيق الذي يكلف بالتحقيق لاحقا، والذي يجد نفسه أمام الأمر الواقع إذا لم تأخذ الضبطية القضائية البصمات من مكان وقوع الجريمة، فقد تندثر بعد مدّة زمنية هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد إهمال في تطبيق نصّ المادة 60 من ق.إ.ج.ج المعدل والمتمم التي تنص على:" إذا حضر قاضي التحقيق لمكان الحادث فإنه يقوم بإتمام أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الفصل"، وفقرتها الثالثة:" يرسل قاضي التحقيق عند انتهاء الإجراءات جميع أوراق التحقيق إلى وكيل الجمهورية ليتخذ اللازم بشأنها". أي بمعنى أنّ قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق وتطبيقا لهذه المادة يصبح هو الذي يشرف على كل أعمال الضبطية القضائية وله كل السلطات المخولة له قانونا، وأن يتخذ كل الإجراءات اللازمة للكشف عن الحقيقة ومنها أخذ البصمات، إلا أنّ الشيء الملاحظ هو أنّ قضاة التحقيق يتم إخبارهم عن طريق الطلب الافتتاحي لإجراء التحقيق بعد استكمال إجراءات التحقيق الابتدائي، ويصبح عمل قضاة التحقيق عملا مكتبيا بحيث يتمثل في إعادة سماع الأطراف التي قد تمّ سماعها من طرف الضبطية القضائية، وأفقدناه أهم وسيلة في الإثبات وهي أخذ البصمات ووجود دليل قاطع في ملف الدعوى، وهذا ما دام أنّ المادة 212 ق.إ.ج.ج المعدل والمتمم تنصّ:" لا يسوغ للقاضي أن يبني قراره إلا على الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات التي حصلت المناقشة فيها حضوريا".
ومن بين الحالات الأخرى التي يتم استعمال البصمة الوراثية فيها من أجل الإثبات نجد حالات إثبات النسب، حيث نصت المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري المعدل والمتمم بموجب الأمر رقم 05/02 الصادر بتاريخ: 27/02/2005 على:" يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو نكاح الشبهة أو بكل زواج تمّ فسخه بعد الدخول، طبقا للمواد 32،33،34 من هذا القانون. ومن ذلك يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب".
وعليه يُمكن إثبات النسب عن طريق إجراء خبرة طبية للحمض النووي، وفي الصدد نجد أنّ المشرع الجزائري قد ساير الاجتهاد القضائي، وفك الإشكالية التي كانت قد طرحت في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ:15/06/1999 بشأن إثبات نسب التوأمين (ع.أ) و(ع.ع)، أين نقضت قرار مجلس قضاء وهران الصادر بتاريخ:05/10/1998 المؤيد لحكم محكمة قديل الصادر بتاريخ:18/01/1998، والقاضي بإجراء خبرة لتحليل دم الأطراف التوأمين والوالدين، وإجراء مقارنة وهذا لا يتسنى إلا على مستوى ((DNA  لكل منهم، فالشفرة الوراثية تعتبر كدليل من أدلة إثبات النسب في بعض الحالات فقط دون تعميم ذلك، ونرى أنه إذا اتخذ هذا الإجراء فإنه يكون وفقا للشروط الواردة بالمادة (40) من قانون الأسرة، والتي تشترط أن يكون هناك زواج صحيح بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول، بالإضافة إلى شرط موافقة أطراف الدعوى في إجراء هذه التحاليل للدم أو المني (5).
كما نجد كذلك أنّ البصمة كالإمضاء في حالة التزوير المادي، حيث أنه بالرجوع إلى المحررات الرسمية نجد أنّ الأطراف في بعض الحالات يوقعون أو يضعون بصمة الأصبع، لذلك فإنّ الخبرة حول هذه البصمات للأصبع تكون ضرورية لإثبات صحتها، فالمشرع سوى بين البصمة والتوقيع بقوله:" تعتبر بصمة الأصبع كالإمضاء".
والمشرع الجزائري قد نص على ذلك في المادة (209) من قانون العقوبات الفقرة الرابعة لقوله:" قلد أو زور الطوابع البريدية أو بصمات التخليص أو قسائم الرد التي تصدرها إدارة البريد".
لذلك نجد أنه من الأمور الأولية التي يجب على ضباط الشرطة القضائية عند بدأ التحري والبحث في الميدان الجنائي، أن يتحفظوا على أمكنة الجريمة قبل المعاينة، ورفع البصمات طبقا لنص المادة (42 ق.إ.ج.ج).
 
الخاتمة:
 
      في الأخير يمكن القول بأن العلوم الطبية قد خطت خطوات عملاقة مكنت الإنسان من الوقوف على حقائق مثيرة مبينة أن تركيبة الإنسان ما زالت تكشف عن الجديد كلما كانت الأبحاث العلمية دقيقة ومتواصلة، فبالأمس شكل اكتشاف بصمات الأصابع ثورة في الاكتشافات العلمية واليوم أصبح (ADN ) قمة الدقة في الرموز الوراثية، و أصبحت البصمة الوراثية وسيلة لمعرفة الأشخاص معرفة دقيقة لا تدع مجالا للشك، حيث ساهمت البصمة الجينية في حل العديد من القضايا 
الجنائية، وهذا مهما اختلفت ظروف الجريمة و نوعية العينات البيولوجية و الأشخاص فيها .

الهوامش والمراجع:

(1)- أنظر: الدكتور أبو اليزيد علي المتيت، البحث العلمي عن الجريمة، مؤسسة شباب الجامعة، مصر، 1976، ص: 115.
(2)- أنظر: برانن إنس، الأدلة الجنائية، ترجمة مركز التعريب والترجمة، الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان، 2002، ص:12.
 
(3)- أنظر: الدكتور قدري عبد الفتاح الشهاوي، الاستدلال الجنائي والتقنيات الحديثة، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، 2005، ص: 62.
 
(4)- أنظر: الدكتور غالب حمزة البكري، مبادئ الهندسة الوراثية، مطبعة دار الحكمة، جامعة البصرة، العراق، 1991، ص: 26.
 
(5)- أنظر: الأستاذ بلعليات إبراهيم، أركان الجريمة وطرق إثباتها في قانون العقوبات الجزائري، ط1، دار الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2007، ص: 289.



المصدرhttp://www.marocdroit.com/مقدمة-إنّ-للبصمات-تاريخ-عريق،-حيث-من-الثابت-أنه-عند-ظهور-الأديان_a3715.html




ifttt
Put the internet to work for you. via Personal Recipe 2937150