http://www.marocdroit.com/photo/art/default/5726815-8538127.jpg يونس أبلاغ طالب باحث ماستر التدبير الإداري المحلي مقدمة: إن التطورات المستمرة التي شهدها العالم في النصف الأخير من القرن الماضي، و خصوصا عندما يتعلق الأمر بظهور الأزمات المالية و الإقتصادية العالمية، و تفاقم بعض المشكلات على غرار التضخم و البطالة، و تزايد حجم المديونية الخارجية و العجز الموازناتي، وحدوث الكساد للإقتصاد العالمي...إلخ. كل تلك المتغيرات و المؤشرات الإقتصادية أسست لأفكار جديدة؛ نتج عنها ظهور إصلاحات موازنية جديدة، سيما و أن الدولة لها سلطة قانونية تمكنها من إصدار مجموعة من التشريعات و القرارات، التي تسهم في إصلاح الميزانية لتجاوز آثار الأزمات الإقتصادية، و التفاعل مع التطور الذي يعرفه إقتصاد الدول المتقدمة[1]. وتعد الميزانية أهم وسيلة تملكها الحكومة للوصول إلى أهدافها التنموية، فهي انعكاس لتوجهاتها على مستوى السياسة الإقتصادية و الإجتماعية، و تنفيذ السياسات القطاعية، فإذا كانت الميزانية عبارة عن أرقام، فإنها تخفي خطة عمل إجرائية لتفعيل سياسات معينة[2]. يبدو أن المهمة الأساسية للميزانية تتجلى في ثلاثة أبعاد؛ أولهما البعد المالي و الذي يهدف إلى تحقيق التوازن بين المداخيل و النفقات، و بعد إقتصادي يهدف إلى تحقيق نمو إقتصادي سليم و قوي يحافظ على التوازنات الأساسية، و أخيرا بعد إجتماعي يسعى إلى توزيع المداخيل و الثروات، بما يكرس التضامن، و يقلل من حدة التفاوتات الإجتماعية و المجالية. بالمقابل و أمام التغيرات الإقتصادية و الإجتماعية، لم تعد المقاربة التقليدية لتدبير الميزانية قادرة على مواكبة هذه التغيرات؛ فكان لابد من إدخال بعض الإصلاحات الجذرية التي تهدف إلى تحديث التدبير المالي. و يعد إصلاح الميزانية، و بصفة خاصة القانون التنظيمي المتعلق بقوانين المالية، الدعامة الأساسية التي يقوم عليها قانون المالية، الذي يعد كترجمة لسياسة الدولة الإقتصادية و الإجتماعية، في المدى القريب و المتوسط؛ من أجل تحقيق ما خُطط له في برنامج التنمية. و عليه فلا يختزلها القانون التنظيمي – الدستور المالي – في بعد مالي أو تقني؛ لأنه في الواقع أوسع من ذلك و أعمق مادام أنه يعكس المشروع الديمقراطي. و ترتيبا لذلك، و أمام هذه المتغيرات، تم اعتماد مجموعة الإصلاحات الموازناتية من طرف عدد من الدول المتطورة كالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1990، بريطانيا سمة 1993، فنلندا، هولاندا و فرنسا سنة 2001). صحيح أن القانون التنظيمي للمالية، كغيره من القوانين التنظيمية الأخرى، لكن يحتل مكانة دستورية كبرى، جعل بعض الفقهاء يعتبرونه قانونا متفوقا تسلسليا على كافة القوانين العادية، و حتى التنظيمية منها، حيث أنه يفرض على القوانين العادية، فهو يعد بمثابة دستور مالي، ومن تم فهو مصنف ضمن خانة المعايير الدستورية الكبرى. و تبعا لذلك فإن أي إصلاح موازناتي؛ يجب أن ينطلق من أسمى قانون منظم للمالية، وهو القانون التنظيمي للمالية. يبدو أن الإصلاح الموازني هو أهم عمل إجرائي لتفعيل السياسات العمومية، و مواكبة التطور الإقتصادي و الإجتماعي، الذي تعرفه الدول المتقدمة.فما هي إذن الدوافع التي تركت المشرع الفرنسي يتبنى سياسة إصلاح الميزانية؟ وما هي أهم النتائج التي خلصت إليها التجربة الإصلاحية الفرنسية ؟ هذه الإشكالية الجوهرية تتفرع عنها مجموعة من الأسئلة الجزئية :
*أسباب إصلاح الميزانية الفرنسية ،وأسس المقاربة الجديدة * حصيلة الإصلاح الموازني في التجربة الفرنسية المبحث الأول :المقاربة الإصلاحية الحديثة للميزانية الفرنسية يستمد النقاش حول إصلاح القانون التنظيمي للمالية أهميته البالغة من الدور الحيوي للميزانية العامة للدولة و قانون المالية في تصريف السياسة الحكومية في كل المجالات الاقتصادية و الاجتماعية...فالميزانية بشكل عام، تعد أﻫﻢ أداة ﺑﻴﺪ الحكومة ﻟﺒﻠﻮغ أﻫﺪاﻓﻬﺎ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ، و هي بذلك تشكل ﺗﺮﺟﻤﺔ وﻓﻴﺔ ﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺗﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻌﻜﺲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ الاقتصادية و الاجتماعية المنتهجة، الأولويات المقررة ﻣﻦ ﺧﻼل الاعتمادات المرصودة، بالاظافة للمجهود المالي ﻟﻠﺪوﻟـﺔ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﻴـﺮ اﻟﺸـﺄن اﻟﻌـﺎم وﺗﻨﻔﻴـﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳـﺎت القطاعية. في هذا الصدد تم تبني الاصلاح الموازني استجابة لمجموعة من الاسباب الموضوعية- مطلب أول- وفق مقاربة تروم تبني مجموعة من المحاور الاستراتيجية بهذا الاصلاح الموازناتي-مطلب ثاني- المطلب الأول: دوافع الإصلاح الموازنتي بفرنسا من الواضح أن الوعي بالإصلاح ينطلق من مجموعة من الأسباب الداعية إلى تبني مقاربة شمولية تهدف إلى عقلنة التدبير العمومي وترشيده لتحسين أداء القطاع العام ، وأيضا تخفيف العبء الذي يمثله تمويل الميزانية العامة على الاقتصاد الوطني، فأمام تحديات والرهانات التي تفرضها التيارات المتعددة داخل الدولة تجد هده الأخيرة نفسها ملزمة بمسايرة الأساليب والمناهج الحديثة للتدبير وحسن التسيير[3]. إن التفكير في الإصلاح الموازني بفرنسا جاء بعد الوقوف على جملة من الثغرات القانونية التي كانت تكتنف القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959 حيت تم إصداره بمنآى عن أي تدخل برلماني، أيضا فقد تم تجاوز مقتضيات الدستور فيما يتعلق بمسألة فرض الرسوم شبه الضريبية ففي الوقت الذي ينص فيه الفصل 34 من دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 على أن القانون هو الذي يحدد أحكام المتعلقة بتحديد الوعاء وكدا طرق التحصيل ، فإن الفصل4 [4] من القانون التنظيمي للمالية لسنة 1959 نص على أن الرسوم شبه الضريبية تخرج من نطاق الفصل 34 من الدستور أي أنها لا تدخل في مجالات اختصاص البرلمان باعتباره يختص في مجال القانون، وتندرج ضمن السلطات الموكولة للحكومة وهو ما يتعارض مع الدستور الفرنسي ، ونتيجة لذلك أقدمت الجمعية الوطنية في أكتوبر 1998 على إحداث فريق عمل حول "فعالية النفقة العامة والمراقبة البرلمانية "، وبالفعل تم إنجاز تقرير في 27 يناير 1999 ، ومن بين الملاحظات التي أدرجت فيه الإشارة الى ضعف المساهمة البرلمانية على مستوى المالي ،وغياب مبادئ الشفافية وكذا آليات تقييم الانتاج والتدبير المالي ،ومن هنا تظهر ضرورة وضع أسس رقابية تقويمية تبحث في مدى تحقيق أهداف الميزانية. وبالمقابل ،وبعد إصدار تقرير الجمعية الوطنية والخروج بمجموعة من التوصيات الهادفة إلى إصلاح موازناتي حقيقي فرضته هده الشروط التي رأت من خلالها الجمعية الوطنية أنها تقتضيها الظرفية ، إلا أن هناك شروطا موضوعية أخرى كانت من الدوافع الحقيقية للإصلاح الموازناتي،حيت تعالت الأصوات والجدل السياسي القائم بفرنسا مند نهاية العام 1999 على وقع فائض الإرادات الضريبية التي أثارها مجلس الشيوخ ،هذا الأخير الذي دعا إلى تبني مزيدا من الشفافية في التسيير المالي والموازناتي،واستجابة لذلك أعلن رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في مارس 2000 إصلاح القانون التنظيمي للمالية ،والذي تمت مناقشته في ثمانية أشهر ثم تبنيه بعد ذلك من طرف جميع الفصائل السياسية الفرنسية،باعتباره دستورا ماليا جديدا مؤسسا على الشفافية والفعالية والديمقراطية تدعيما لما جاء في المادة 15[5] من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1789،وقد كان تعديلا بمبادرة برلمانية بامتياز،تروم تنقيح كامل للقانون التنظيمي همت بالخصوص تحديث التدبير العمومي وإعادة التوازن بين سلطات الحكومة والبرلمان وذلك بتوسع صلاحيات هذا الأخير في المجال المالي. المطلب الثاني: المرتكزات الأساسية للإصلاح الموازني في فرنسا سعى الاصلاح الموازني بفرنسا إلى التركيزعلى عنصرين اثنين ،الشفافية و الوضوح بالميزانية و الحسابات ، ثم المساءلة و المحاسبة ، وذلك لتدعيم و تحسين أداء الدولة، حيث ينبني هذا الإصلاح على ميزانية موجهة نحو تحقيق النتائج، بمعنى الإنتقال من منطق الوسائل إلى منطق النتائج في تدبير الميزانية، فمنطق الوسائل يقوم على تحديد الأهداف، انطلاقا من المواد و الإعتمادات المتوفرة، ويتم التقسيم في إطار درجة صرف الإعتمادات، و احترام المساطر، أما منطق النتائج فيقوم على تحديد الأهداف انطلاقا من الحاجيات و الأولويات، حيث تعبء الوسائل الضرورية لتحقيق الأهداف و أثرها على السكان، مما يشكل منطقا ديناميكيا، يندرج في إطار مسلسل مندمج، و من تم فصرف الإعتمادات هي وسيلة وليست هدفا[6]. و لتحقيق هذه المقاربة، يحب أن تتم خلال كل المراحل التي تمر منها الميزانية، من الإعداد إلى التنفيذ، إلى التقييم بالتتبع، و المراقبة. فمرحلة الإعداد (برمجة المشاريع)، تنطلق من حاجيات السكان (تحديد الأهداف)، أما مرحلة الإنجاز، فيتم الحرص فيها على أن تكون المشاريع المنجزة أكبر فائدة على السكان و الإقتصاد (تعبئة الوسائل الضرورية) و يتم التقييم حسب درجة بلوغ الأهداف و أثرها على السكان[7]. و لتوضيح هذه المقاربة سوف نعتمد الخطاطة التالية: فمنطق النتائج سيمكن من الإنتقال بصفة تدريجية، من نظرة قطاعية و عمودية للبرنامج، إلى مقاربة مندمجة و متكاملة و أفقية، من أجل ترشيد النفقات، وضمان نجاعة أكثر في نوعية التدخل، و في الأثر الناتج عنه، تقوم هذه المقاربة على :
وفي إطار تقوية مبدأ الشفافية المالية، و الرقابة البرلمانية، فقد جاء في الفصل 50 من القانون التنظيمي للمالية " تعميقا للشفافية الموازناتية، و الرقابة البرلمانية على الحكومة، يتعين على الحكومة عند تقديمها لمشروع قانون المالية السنوي، أن ترفقه بتقرير يضم السياسات، الإقتصادية، الإجتماعية، المالية، و يجب أن يحدد الإستراتيجيات الحكومية على أربع سنوات المقبلة تفعيلا لمبدأ الشفافية الموازنية "، و في نفس الإطار حدد الفصل 57، دور اللجان و الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ و لجان المالية في رصد ومراقبة تنفيذ العمليات المالية، و إجراء تقييم لأي مسألة تتعلق بالمالية العامة، حيث لهذه اللجان كل الصلاحيات ( صلاحيات واسعة) في التحقيق و الفحص و المراقبة، و تنفيذ القوانين المالية السنوية. المبحث الثاني: خلاصات الإصلاح الموازني في التجربة الفرنسية إن صدور القانون التنظيمي للمالية في فرنسا سنة 2011، ماهو إلا محاولة للتأسيس لثقافة جديدة، مبنية على تدبير عمومي جديد، ظل حبيس لمدة أربعين سنة، حتى تولدت القناعة بإصدار هذا القانون التنظيمي الجديد، و اعتماد مقاربة حديثة للتدبير العمومي و الإصلاح الموازني، مع تعزيز و تقوية دور البرلمان – مطلب أول- ،والتي خلصت إلى الإنتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف - مطلب ثاني -. المطلب الأول: تعزيز و تقوية دور البرلمان استندت التجربة الفرنسية في إصلاحها الموازني، على رؤية قانونية جديدة، بعد وضع قانون تنظيمي جديد للمالية، و الهادف أساسا إلى تدعيم و تقوية و دفع سلطات البرلمام في المجال المالي[10]. إن إعادة الإعتبار لسلطات البرلمان في المجال المالي، تعد من أهم الخلاصات و النتائج، التي همت إصلاح الميزانية في التجربة الفرنسية، وينبني هذا التوجه الجديد إلى إعادة الهيكلة للميزانية، من خلال تعديل طرق تبويبها، و تبعا لذلك فعندما كان العمل بميزانية البنود، فالميزانية أصبحت تصنف حسب المهام و البرامج، مما يبسط قراءة القانون المالي للبرلمانيين، مع فتح المجال لتمكينهم من المعطيات بطريقة سهلة في القراءة، مما يسمح برفع مستوى النقاشات البرلمانية لقوانين المالية، للتأسيس على نقاشات جوهرية حول السياسات العمومية، و تقييم الأداء، هذا بالإضافة إلى تعزيز دور البرلمان، في المراحل التي يمر منها قانون المالية، وكل ما يتعلق بإعداد و تنفيذ الميزانية و مراقبتها، مع تدعيم و تقوية دور اللجان البرلمانية في هذا المجال[11]، من أجل القضاء على مجموعة من الثغرات القانونية، التي كانت تحد من القانون التنظيمي المذكور، صدر في فترة انتقالية عرفتها الجمهورية الفرنسية الخامسة، موازاة مع ما جاء في الفصل 92 من الدستور الفرنسي لسنة 1958، و ما يستدعي ضرورة تعديله و إدخال إصلاحات موازنية فيه، على اعتبار أنه دستور مالي، هو أن من جملة المؤخدات عليه صدوره في غياب السلطة التشريعية، مع عدم عرضه على المجلس الدستوري، بالرغم من قوة القوانين التنظيمية بصفة عامة، و القانون التنظيمي للمالية بصفة خاصة. بالمقابل فالإصلاح الموازني الفرنسي، استدرك في القانون التنظيمي للمالية لسنة 2001 مجموعة من المؤشرات الهادفة للإصلاح، و المرتبطة بتعزيز دور البرلمان، و من جملة المستجدات التي ستؤدي إلى تقوية دور البرلمان، هي تمكين أعضاء البرلمان من اقتراح نقل الإعتمادات داخل نفس البرنامج، ومن برنامج لآخر. وكذلك اقتراح إحداث برامج جديدة داخل نفس المهمة، لكن بالمقابل لا يتم إنشاء مهمة جديدة إلا بمبادرة حكومية[12]. و تبعا لذلك فتعزيز سلطات البرلمان، في مجال الرقابة على عمليات تنفيذ الميزانية، يقتضي توسيع الرقابة، على عمليات تنفيذ الميزانية؛ وهذا ما خلُص له الإصلاح الموازني الفرنسي، فالبرلمان إذن سيراقب مدى تحقق أهداف هذه البرامج، عبر مؤشرات أداء محددة مسبقا داخل البرنامج. إلا أن هذه المراقبة، تلعب فيها لجنة المالية الدور الرئيسي عبر تتبعها المستمر لعمليات تنفيذ الميزانية ، وكذا فعالية استعمال الأموال العمومية، حيث يجوز للجنة المالية استجواب أي شخص قد تختاره، مع القيام بتحقيقات و ثائقية ميدانية، مع ضرورة تكريس الحق على الحصول المعلومة، من استلامها مختلف الوثائق الإدارية و المالية، التي تحتاجها بما فيها تقارير تفتيش أي إدارة. و ترتيبا لذلك، و مع تعزيز دور البرلمان، تم تقييد إمكانية الحكومة، بدعم ضمانات الإلتزام بمدى الترخيص البرلماني، عن طريق هذا التقييد للسلطة التنفيذية، حيث أصبحت صلاحياتها في مجال تغيير طبيعة الإعتمادات، بواسطة نصوص تنظيمية محدود في سقف معين لا يمكن تجاوزه[13]. يبدو إذن أن النتيجة الأولى التي خلُصت لها التجربة الفرنسية، في مجال الإصلاح الموازني، هي إعادة الإعتبار لسلطة البرلمان في المجال المالي، و يعد هذا التعزيز أهم محور لإصلاح الميزانية بفرنسا. المطلب الثاني: الإنتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف إن عقلنة أسلوب تدبير الميزانية العامة للدولة، يقتضي مقاربة جديدة، ترتكز على التوفيق بين الأبعاد المالية، الإقتصادية، و الإجتماعية، و سلوك أساليب الضبط و الترشيد و الشفافية، في الإنفاق العام، و إرساء نظام عقلاني يقوم على تحديد و توضيح الأهداف، مع اعتماد منهجية تقييم الأداء و النتائج و تحليل تقييم السياسات العمومية، كإختيار أساسي في تدبير الميزانية العامة، و تنفيذها و تتبع تنفيذها[14]. و ترتيبا لذلك فإن الإنتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف، يقتضي التأكيد على أن تدبير الميزانية، يجب ألا يقتصر على اعتبارات قانونية النفقة و مشروعيتها، و مطابقتها للإعتماد المرصود في الميزانية، بل يجب أن يتسع ليشمل المقاييس و المعايير الملائمة، و الحرص على تحقيق المقاصد بالوسائل الأنسب، و الأقل تكلفة؛ و هو ما ينتج عنه اعتماد أسلوب جديد للمراقبة يتمثل في تقييم الإنجاز الفعلي[15]. صحيح أن دور البرلمان و تقويته في فرنسا كان من أهم محاور الإصلاح الموازني الفرنسي، إلا أن تدبير الميزانية، على أساس النتائج، يعد هو الأخر، من أهم المحاور الكبرى لإصلاح الميزانية، و ذلك على خلاف المقاربة التقليدية التي كانت سائدة في تدبير الميزانية، و المرتكزة على منطق الوسائل، حيث كان الهدف هو صرف الإعتمادات مع احترام المساطر، في حين يهدف منطق النتائج إلى فعالية النفقات العمومية، مع استهداف تحسين عيش المواطنين، وتبعا لذلك؛ فمن الخلاصات التي أتى بها الإصلاح الموازنتي الفرنسي بدرجة أولى؛ من أجل تدبير الميزانية، هو تمتيع المدراء بقدر كبير من الحرية في استخدام الإعتمادات و التصرف في الميزانية مقابل التزامهم بتحقيق الاهداف و البرامج. و بناء عليه؛ أصبح صاحب كل برنامج يلتزم عند تقديمه بتحقيق أهداف محددة، في مقابل حرية التدبير التي تمنح له، مع ضرورة تقديم حصيلة النتائج المحصل عليها[16]. يبدو أن الإصلاح الموازني الفرنسي، إمتد إلى أكثر من ذلك، حتى أصبح من اللازم تتميم الملاحق التفسيرية المرفقة بمشروع القانون المالي، و المتعلقة بكل وزارة، بمشروع يتضمن بصفة خاصة تقديما للأعمال والتكاليف المرتبطة به، و الأهداف المتوخات، و النتائج المحققة و المتوقعة خلال السنوات القادمة بالقياس إلى مؤشرات محددة[17]. إن الإصلاح الموازني الفرنسي، ينبني أساسا على الإنتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف، وهذا الإستراتيجية تم تحقيقها بإعادة هيكلة الميزانية حسب ثلاثة مستويات:
خاتمة: إن إصلاح الميزانية بالمغرب .إصلاح يتلاءم مع الخصوصيات الذاتية و الموضوعية لبلد كالمغرب،حيث أصبح إصلاح القانون التنظيمي للمالية ضرورة ملحة،خاصة بعد المستجدات الدستورية في الميدان المالي.والتي لا يمكن مسايرتها بالقانون التنظيمي الحالي للمالية . حيث تم التنصيص في الدستور المغربي ،على أن البرلمان و الحكومة يسهران على توازن مالية الدولة ،مما يؤدي بتوسيع سلطة البرلمان في المجال المالي.كما أن الدستور المغربي أكد على دور السلطة التشريعية ،في تقييم السياسات العمومية،على رأس كل سنة.وهذا ما يؤكد على أن المشرع المغربي تفاعل بشكل ،أو ٱخر مع التجربة الفرنسية في إطار إصلاح الميزانية. يبدو إذن أن المحاور الأساسية للإصلاح الموازني الفرنسي،أخدت حيزا بارزا في الدستور المغربي لسنة 2011 ،إلى درجة يمكن معها الافتراض أن المقاربة الحديثة لتدبير الميزانية في المغرب ،ستنبي على ما ارتكزت عليه التجربة الفرنسية. فما هي إذن مرتكزات التجربة الإصلاحية للميزانية بالمغرب ؟ وإلى أي حد تأثر الإصلاح الموازني بالمغرب،بالتجربة الإصلاحية الفرنسية ؟ - التصميم *مقدمة : *المبحث الأول :المقاربة الإصلاحية الحديثة للميزانية الفرنسية - المطلب الأول: دوافع الإصلاح الموازنتي بفرنسا - المطلب الثاني: المرتكزات الأساسية للإصلاح الموازني في فرنسا *المبحث الثاني: خلاصات الإصلاح الموازني في التجربة الفرنسية - المطلب الثاني: المرتكزات الأساسية للإصلاح الموازني في فرنسا - المطلب الثاني: الانتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف *خاتمة : لائحة المراجع الكتب بالعربية *ذ. عبد القادر التيعلاتي: " المالية العامة قانون الميزانية"، منشورات المعهد العالي للدراسات القانونية و الجبائية التطبيقية، الطبعة الأولى، 1995 . *ذ. محمد حنين: "المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية"، مطبعة دار القلم للطباعة و النشر، الرباط، البعة الأولى 2007. الكتب بالفرنسية *Mohamed Karim, viabilité budgétaire et financière au Maroc, 1ére Edition, Almaarif- Aljadida, Rabat 2010, *Jilali chabih,les finances de l'Etat au maroc,approche en finances publiques comparées,imp l'harmattan,2007, *Mohamad harakat ,finance publiques et droit budgetaire au maroc,imp el maarif el jadida rabat,2004 *Mohamed karim ,management des finances publiques au maroc,contexte actuel et évaluation,imp .el maarif al jadida rabat , premiére edition,2006 الرسائل *نجيب جيري:"إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين و التفعيل"، دراسة تحليلية ونقدية، بحث لنيل دبلوم الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، ماستر القانون العام المعمق، 2007/ 2008. *محمد الساهل: " تحديث تدبير الميزانية العامة"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية 2007/ 2008. *ياسين صباح: "إصلاح منظومة المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية العامة"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، 2007/2008 النصوص القانونية *المادة 4 من القانون التنظيمي للمالية الفرنسي لسنة1959 مواثيق دولية *المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1789 الهوامش [1] Mohamed karim ,management des finances publiques au maroc,contexte actuel et évaluation,imp .el maarif al jadida rabat , premiére edition,2006,(sans page) [2] ياسين صباح: "إصلاح منظومة المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية العامة"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، 2007/2008، الصفحة 40. [3] Mohamad harakat ,finance publiques et droit budgetaire au maroc,imp el maarif el jadida rabat,2004,p170 المادة 4 من القانون التنظيمي للمالية لسنة1959 [4] المادة 15 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1789[5] [6] Mohamed Karim, viabilité budgétaire et financière au Maroc, 1ére Edition, Almaarif- Aljadida, Rabat 2010, page : 35. [7] Jilali chabih,les finances de l'Etat au maroc,approche en finances publiques comparées,imp l'harmattan,2007,p154 [8] شمولية الإعتمادات: تستهدف منح الآمرين بالصرف مرونة واسعة، بالنسبة لتوظيف الإعتمادات المالية، الموضوعة رهن إشارتهم، مقابل تحملهم مسؤوليات مباشرة في تحقيق الأهداف و النتائج المسطرة لهم. [9] Mohamed Karim, viabilité budgétaire et financière au Maroc, page :36. [10] ذ. محمد حنين: "المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية"، مطبعة دار القلم للطباعة و النشر، الرباط، البعة الأولى 2007، الصفحة: 68. [11] ذ. محمد الساهل: " تحديث تدبير الميزانية العامة"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية 2007/ 2008، الصفحة: 61. [12] ذ. محمد حنين: ذ. محمد حنين: "المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية"، مرجع سابق، الصفحة: 79. [13] ذ. محمد حنين: ذ. محمد حنين: "المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية"، مرجع سابق، الصفحة: 82. [14] ذ. عبد القادر التيعلاتي: " المالية العامة قانون الميزانية"، منشورات المعهد العالي للدراسات القانونية و الجبائية التطبيقية، الطبعة الأولى، 1995 ، الصفحة: 39. [15] ذ. نجيب جيري:"إشكالية منظومة الرقابة المالية بالمغرب بين التقنين و التفعيل"، دراسة تحليلية ونقدية، بحث لنيل دبلوم الماستر، جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، ماستر القانون العام المعمق، 2007/ 2008. الصفحة:140 [16] Mohamed Karim, ibid , 34 . [17] ذ. محمد حنين: ذ. محمد حنين: "المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية"، مرجع سابق، الصفحة: 88. [18] Mohamed Karim, opcit, page : 35 /36. المصدرhttp://www.marocdroit.com/الإصلاح-الموازني-رؤية-مقارنة_a3716.html | |||
| |||
| |||
|
0التعليقات :