عن إقصاء القضاة من تأسيس الجمعيات المدنية وتسييرها، وأوجه عيب عدم الدستورية؟


عن إقصاء القضاة من تأسيس الجمعيات المدنية وتسييرها، وأوجه عيب عدم الدستورية؟
 
 
 
 
نصت المادة 38 من مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة المصادق عليه في مجلس النواب أنه "تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 12 والفقرة الثانية من الفصل 111 من الدستور ،يمكن للقضاة المعينين طبقا لمقتضيات المادة 68 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الانخراط في جمعيات مؤسسة بصفة قانونية وتسعى لتحقيق أهداف مشروعة ،أو إنشاء جمعيات مهنية ،وفي كلتا الحالتين يتعين مراعاة واجب التجرد واستقلال القضاء والحفاظ على صفات الوقار صونا لحرمة القضاء وأعرافه.
غير أنه يمنع على القاضي تأسيس جمعية غير مهنية أو تسييرها بأي شكل من الأشكال ."
 
وهكذا حظرت المادة المذكورة  على القضاة تأسيس جمعيات  مدنية غير مهنية أو تسييرها بأي شكل من الأشكال بالمخالفة الصريحة والقاطعة للفصل 111 من الدستور الناص صراحة على أنه "يمكن للقضاة الانخراط  في جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية "فهل المصطلح الدستوري  للانخراط والذي تلقفه مشروع القانوني التنظيمي يعني فقط الانضمام أم يشمل التأسيس من باب أولى لأنه لا انخراط بدون تأسيس ؟جوابا على هذا التساؤل نعتقد جازمين  وفق قواعد التفسير القانوني السليم أن الانخراط المقصود منه الانضمام والتأسيس وسندنا في ذلك الفقرة الأخيرة من المادة 111 من الدستور الناصة على أنه" يمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية " فلو اتبعنا نفس منطق مشروع القانون التنظيمي فهل  يعني ذلك السماح للقضاة بتأسيس أحزاب سياسية أو منظمات نقابية ظالما أن المحظور فقط الانخراط دون التأسيس والإحداث ؟مما لاشك فيه فإن الحظر الشامل لهما معا لأن التأسيس أخطر وأقوى من الانخراط ،وهو ما لا يمكن الاختلاف فيه دستوريا و لا قانونيا ولا أخلاقيا ،وبالتالي لو كان الدستور يقصد حظر تأسيس القضاة للجمعيات المدنية لأورد ذلك صراحة ،لأن من خصوصية القاعدة الدستورية الوضوح والتحديد ،وتبعا لذلك يكون مصطلح الانخراط الوارد في الدستور يشمل العضوية والانتساب ويشمل التأسيس ،لأن الانخراط مفهوم عامل وشامل ولا يمكن قصره فقط على العضوية ،مما يكون معه تفسير القانون التنظيمي لمصطلح الانخراط أقل ما يمكن القول بشأنه أنه تفسير لا صلة له بعالم القانون، ويستهدف الإجهاز على حقوق القضاة في التعبير والتنظيم بذرائع تفسيرية وهمية لا يصدقها عاقل.
 
وحجتنا الثانية على أن المادة السابعة  وعلى علتها من مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المصادق عليه من قبل مجلس النواب منعت الجمع بين العضوية بالمجلس أو تسيير جمعية  مهتمة بقضايا العدالة دون غيرها ،مما يعني أن للقضاة حق تأسيس جمعيات مدنية غير مهتمة بقضايا العدالة ...؟
 
ويمكن اعتبار صيغة المادة 38 المذكورة في الحقيقة  تعبيرا عن عمق هواجس القلق التشريعي من انخراط القضاة في النسيج المدني والحقوقي والذي قض مضجع البعض  نتيجة حجم الآثار الإيجابية والنجاحات التي حققها في درب النضال المشترك في سبيل إقامة سلطة قضائية حقيقية ومستقلة ،مما استدعى فرملته ولو بالاعتداء والانقلاب على الدستور،لأنه حسب الفصل 12 من الدستور تؤسس الجمعيات بكل حرية  .
 
ومن المهم الإشارة إلى أنه سبق  لكل من الإطارات المدنية التالية : المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية والمرصد القضائي  المغربي للحقوق والحريات والمركز المغربي للمعالجة التشريعية والحكامة القضائية، وجمعية عدالة من اجل الحق في محاكمة عادلة  أن أصدرن بيانا مشتركا أكدت جميعها فيه على خطورة هذه المقتضى وتهديده لحق القضاة في التعبير والتنظيم والانتماء للجمعيات والذي افرغ النص الدستوري من مدلولاته التي سعت إلى ضمان مشاركة القضاة في الشأن الوطني وتمتين الترافع لخدمة المصالح العليا لقضاء الوطن .
 
وما يؤيد خطورة هذا المقتضى غير الدستوري هو نكوصه عن المعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية التي استمد منها النص الدستوري الفصل 111 مقتضياته ،لأنه وفقا للبندين الثامن والتاسع للمبادئ الدولية لإعلان استقلالية السلطة القضائية الصادر بتاريخ 6/12/1986فإنه   تأسيسا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، وفق مسلك  يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء،وتكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات بمختلف أنواعها  لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها
 
كما ينص البندين 8و9 من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة  على أنه لأعضاء النيابة العامة أعضاء النيابة العامة، شأنهم شأن غيرهم من المواطنين، الحق في حرية التعبير والعقيدة وتشكيل الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات. ويحق لهم، بصفة خاصة، المشاركة في المناقشات العامة للأمور المتصلة بالقانون وإقامة العدل، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك الانضمام إلى منظمات محلية أو وطنية أو دولية أو تشكيلها وحضور اجتماعاتها، دون أن يلحق بهم أي أذى من الوجهة المهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة. وعليهم أن يتصرفوا دائما، في ممارسة هذه الحقوق، طبقا للقانون والمعايير والآداب المعترف بها لمهنتهم.حرية تشكيل الرابطات المهنية أو غيرها من المنظمات التي تمثل مصالحهم وتعزز تدريبهم المهني وتحمى مركزهم، والانضمام إليها،وكذا الرفع من مستواهم العلمي بشكل يضمن النجاعة ورفع الأداء القضائي ،وهو ما أكدته  الفقرة الثانية من الفصل 111 من الدستور وكذا الفصل الثاني من ظهير 27/11/1958 المتعلق بتأسيس الجمعيات والناص على جواز تأسيس الجمعيات بكل حرية .
 
إن المشرع الدستوري لم يضع أي تقييد على حرية الانتماء للجمعيات غير المهنية ولم يميز مطلقا بين العضوية العادية والعضوية التسييرية  بالجمعيات المهنية أو غيرها من الجمعيات الحقوقية أو المدنية،لان درجة العضوية تخضع للانتخاب الحر والديمقراطي والشفاف لأجهزة الجمعيات المعنية ،وبقرارها الحر والمستقل الذي لا يجوز فرض الوصاية عليه خارج الدستور والقانون لتعلقه بالحقوق المدنية  لكافة المواطنين  ومنهم القضاة الغير القابلة للتنازل أو الإسقاط،لأن تنظيم الجمعيات وتسييرها وفق الفصل 12 من الدستور يجب أن يكون مطابقا للمبادئ الديمقراطية  .
 
فمن باب العبث الذي لا يسقط فيه حتى المبتدئون في مجال القانون، أن نقول للقضاة كونوا أعضاء مصفقين أو صوريين أو ثانويين فقط من الدرجة الثانية أو الثالثة في عضوية الجمعيات المدنية  ،وأنكم محظورون من التسيير المباشر لها ،لان هذا أشبه بالنكتة منه للتشريع  ،مما يكون معه أي تقييد غير دستوري وتحكمي ويستهدف الإجهاز على حرية القضاة في التنظيم والتعبير بكل فعالية في المجتمع المدني والحقوقي بعد النجاحات التي حققها القضاة وجمعياتهم المدنية في الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية والانخراط في النسيج المدني باعتبار أن إصلاح  القضاء مشروع مجتمعي ووطني شامل  جامع لكل المغاربة ، وأن القضاة جزء لا يتجزأ من هذا النسيج المتنور الساعي لتكريس الثقة في القضاء ودعم دوره في صيانة المشروع الديمقراطي طبقا للمقاربة التشاركية لجمعيات المجتمع المدني التي أكدت الفصل 12 من الدستور من خلال إعداد التقارير وتقديم المشاريع للمؤسسات العمومية والمنتخبة .
 
إن  تشريع الخوف والتردد  بمنطق الصراع لا التعاون لن ينتج إلا فقدان الثقة في المؤسسات ويعدم وجودها ،ويعكس خلفية صادمة لحرية التعبير والحق في التنظيم بمختلف درجاته ،وتشكل انتكاسة حقيقة للفصل 111 من الدستور .
 
ولا نشك قيد أنملة أن المجلس الدستوري سيتصدى لها بكل قوة احتراما  لمقتضى كان محل إجماع المغاربة ،إن لم تتم مراجعة المادة 38 السيئة الذكر أمام مجلس المستشارين  لأن الاستشهاد في إطاره بالفصل 12 و 111 لعمري أكبر مغالطة دستورية في المشروع المذكور ،لأنه حملها ما لم ولن تحتمل .
 
والغريب أيضا أن القضاة المتدربون ممنوعون أيضا من مجرد الانضمام للجمعيات المدنية وإحداث الجمعيات المهنية  القضائية والانضمام إليها في خرق سافر بأبسط حق في التنظيم والتعبير ،فهم قضاة متدربون يحضرون المداولات ويشاركون في العملية القضائية، لكنه مفروض عليهم ترك الشأن المهني والجمعوي جانبا لأنه غريبا عليهم وسيؤثر على مسارهم في مستقبل القضاء ،لأن الشأن المهني معرقل للأداء القضائي ،هكذا تصورهم للأمور تشريعا؟
 
فهل يصدق أي مواطن أن القضاة مواطنين ناقصي الحقوق المدنية باعتبارهم محظور عليهم رآسة أو تسيير حتى جمعيات القنص والجمعيات الرياضية وجمعيات تسيير الإقامات والشقق التي يقطنون القضاة،دون الحديث عن الجمعيات الحقوقية لكونها أصبحت محل اشتباه تستحق الحظر والمنع ودعوى إبطالها؟فهل لا يمكن اعتبار مقتضيات  المادة 38 خطأ خطيرا في التشريع يستحق عنها ما سيصنع للقضاة بموجب المادة 97 من مشروع القانون التنظيمي المذكور ،فلماذا كل هذه الهواجس يا سادة في حق قضاتكم ،فاسئلوا  به خبيرا؟.



via MarocDroit - موقع العلوم القانونية http://ift.tt/1iVBflL