http://ifttt.com/images/no_image_card.png بقلم: ذ. فتح الله الحمداني قاضٍ متدرب وباحث بكلية الحقوق بفاس يعتبر الجدل الدائر حاليا حول قضية العفو الصادر في حق "دانيال" الاسباني المحكوم عليه بثلاثين سنة سجنا بعد إدانته من طرف القضاء المغربي من أجل باغتصاب 11 طفلا مغربيا، دافعا لإثارة نقاش فاعل حول مؤسسة العفو الملكي. فإذا كان العفو حق لجلالة الملك بمقتضى الفصل 58 من الدستور فإن ممارسته في قضية السجناء الاسبانيين مثار الجدل ترتبط أساسا بالرؤية السياسية المؤطرة لدور الملك من منطلق موقعه المكرس بالفصل 42 من الدستور كـ" رئيس للدولة وممثلها الأسمى" في تدبيره لعلاقات المغرب الخارجية، وبغض النظر عن الطابع السياسي لردود الفعل المثيرة للنقاش حول هذه القضية التي أصبحت قضية رأي عام تفرض نفسها على الجميع، مع ما يحرك هذه الردود من انفعالات عاطفية معبرة عن تمثل الإنسان المغربي حول كرامته، فإن وجهها الأهم ينجلي بالنظر للأساس التي انبني عليه قرار العفو الذي يكون اتخاذه مبنيا على مساطر تتدخل فيها مؤسسات أخرى فاعلة في منظومة العدالة الجنائية، لأن توجيه النقاش للعمق وبشكل شامل لمؤسسة العفو ككل يتجاوز حالة هذا الأجنبي، من شأنه أن يكون أَقدر في نتائجه على الاقتراب من حسم المشاكل المحتمل أن تثار مستقبلا بصدد قضايا مماثلة. وهكذا فإن ظهير العفو الذي تم تعديله بتاريخ 25 أكتوبر 2011 يجعل هذا القرار مبنيا على المقترحات المقدمة من طرف لجنة العفو التي تدرس مطالب المحكوم عليهم الملتمس فيها العفو. وتتكون هذه اللجنة من وزير العدل بصفة رئيس، ومدير الديوان الملكي، والرئيس الأول لمحكمة النقض، والوكيل العام لدى هذه المحكمة، ومدير الشؤون الجنائية والعفو ومدير إدار السجون، وضابط عن الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية يعينه وزير الدفاع إذا كان الأمر يتعلق بعقوبات أصدرتها المحكمة للقوات المسلحة، ويمكن أن ينوب عن كُـلٍّ من هؤلاء ممثلا عن كل واحد منهم، أما كتابة اللجنة فيتولاها موظف من وزارة العدل (الفصل 10 من الظهير أعلاه). وبعد دراسة هذه اللجنة "للطلبات والمقترحات الموجهة إليها ساعية في الحصول على جميع المعلومات، تبدي رأيها الذي ترفعه إلى الديوان الملكي لأجل البت فيه بما يقتضيه نظر الجناب الشريف" بصيغة الفصل 12 من الظهير. أما الفصل الحادي عشر فقد أوكل تنفيذ الأمر الصادر بهذا الصد إلى وزير العدل. وإذا كانت تركيبة هذه اللجنة تعبر عن طابعها التعددي الذي يعكس حضور الجهات القضائية إلى جانب المؤسسات المشرفة على تنفيذ العقوبة، إضافة للديوان الملكي الجهة المؤثرة في القرار، فإن إطلاق النظر في مقتضيات الظهير في علاقته بالمؤسسات المشابهة، من حيث طريقة عمل هذه اللجنة والضوابط التي توجه دراستها لطلبات العفو الموجهة إليها والمقترحات المرفوعة من طرفها يفضي إلى استخلاص مجموعة من النتائج: أولا: عدم تحديد معايير للاستفادة من العفو وخضوعه بالتبعية للاعتبارت السياسية يتجلى هذا الاستنتاج من خلال دراسة ملاحظتين. 1. عدم تقييد الاستفادة من العفو الملكي بأي شروط مرتبطة بتقدير الأوضاع الإنسانية للمحكوم عليه وبالمقابل تقدير خطورته مدى تحسن سلوكه بما يُلمس معه اتساع فرص اندماجه داخل المجتمع من جديد، وكذلك عدم ربط العفو بأي مدة ينبغي أن يقضيها المسجون من العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها عليه، لأن هذه المدة هي الكفيلة بفتح المجال لتقييم سلوكه وتقدير فرص اندماجه ومدى تراجع ميوله نحو ارتكاب الجريمة. وكذا عدم تقييد العفو بأي تدابير أو شروط لاحقة على الاستفادة منه، بغياب تحميل المعفي عنه بأي التزامات أو قيود انضباطية يمكن على أساسها تلمس تراجع خطورته ومدى اندماجه في المجتمع من عدمه، وبالتالي إمكانية الاستمرار في حالة العفو أو التراجع عنه، وهذه الإمكانية الأخيرة في التراجع عن العفو تظل معدومة في الظهير المشار إليه أعلاه كما هو سارٍ حاليا. مما يكشف أن فلسفة نظام العفو الملكي، انطلاقا من هذه الملاحظات جميعها، لا تعكس في تنظيمها ومعاييرها أي خلفية مرتبطة بالسياسية الجنائية والعقابية. 2. ثانيا: توسيع مجال العفو من حيث وضعية المستفيدين منه في علاقتهم بمراحل الدعوى العمومية، إذ يمكن إصداره سواء قبل تحريكها أو خلال ممارستها أو على إثر حكم نهائي بعقوبة أصلية (الفصل الأول من الظهير المذكور)، وكذا توسيع حالات اللجوء إليه التي تتوزع حسب صوره المتمثلة في العفو الفردي الذي يصدر إما مباشرة وإما بطلب من المحكوم عليه أو من أقاربه أو أصدقائه أو النيابة العامة أو إدارة السجون، ثم العفو الجماعي الذي يصدر بمناسبة أعياد الفطر والأضحى والمولد النبوي والعرش (الفصل الثامن). وهكذا فإن العفو الجماعي المرتبط في المغرب بمناسبات الأعياد المشار إليها أعلاه يبقى في فلسفته مستندا أساسا إلى اعتبارات سياسية تجعل هذا العفو عاكسا للمكانة المتميزة التي يحضى بها الملك والمكرسة بالفصل 42 من الدستور، خاصة ما يتعلق بموقعه كأمير للمؤمنين وساهرا على صيانة حقوق وحريات المواطنين، بالإضافة إلى استناده إلى نسق رمزي خادم لاعتبارات سياسية هو الآخر، يتموقع الملك من خلاله في موقع الفاعل في كل المجالات، باعتبار ما يراد ترسيخه في الأذهان من كونه رمزا للعطاء و"ذخرا وملاذا للأمة ومنبعا للرحمة والرأفة" بحسب التعبير الإعلامي الرسمي الذي يعكس رؤية مُـؤسِّسَة لفلسفة الحكم في المغرب. لكن هذا التوظيف السياسي والرمزي المُؤكِّد للمكانة الرمزية السامية للملكية بالمغرب لا ينبغي أن يكون مجردا عن اعتبارات تحقيق العدالة واستحضار الملاءمة اللازمة مع السياسة الجنائية بالتدقيق في شروط الاستفادة من العفو، خاصة وأن بُعده الجماعي وارتباطه بالمناسبات المومأ إليها أعلاه جعله "سنة" مفروضة متكررة بقوة القانون، بشكل قد لا يخدم الحاجات العملية التي ينبغي أن تتحكم في تحديد المستفيدين وعددهم. وفي نفس الإطار يأتي العفو عن دفعة السجناء الإسبانيين التي تضم مغتصب الأطفال المثير للجدل، باعتباره صورة أخرى للتوظيف السياسي الصرف لهذا الحق في سياق تدبير العلاقات الدبلوماسية الخارجية مع دولة اسبانيا، وهو ما جعل مقترح العفو الذي استند إليه القرار المُـفَعِّـل له، غير مُـؤَسَّسٍ على ما ينبغي أن تخلص له دراسة حالة كل سجين على حدة من حيث خطورته ومدى استحقاقه للعفو. و في تقييم هذا التوسيع لصور العفو الجماعي، يمكن الاستئناس بالنظام الفرنسي الذي اتجه على العكس من ذلك إلى التضييق، إذ أصبح العفو الجماعي غير ممكن من خلال التعديل الدستوري اللاحق بالفصل السابع عشر من دستور الجمهورية الخامسة بمقتضى القانون الدستوري الصادر بتاريخ 27 يوليوز 2008 بشأن تحديث مؤسسات الجمهورية، والذي أصبح بموجبه العفو الرئاسي محصورا في حالاته الفردية فقط. لهذا ينبغي التفكير في صيغة لمراجعة ظهير العفو بما يضمن، على الأقل، تخفيف الطابع السياسي لصورتيه في تجلياتهما الجماعية والفردية، بسن معايير وشروط تخدم مراعاته للاعتبارات القانونية العملية المسطرة قبله. وكذا تفعيل نظام الإفراج المقيد بشروط الذي تؤسس له الفصول من 622 إلى 632 من قانون المسطرة الجنائية، هذا النظام الذي يبقى شبه معطل لحد الآن، مع أنه يتجاوز في بنائه العديد من سلبيات مسطرة العفو كما هي مفعلة حاليا وهذا موضوع النقط الموالية ثانيا: عدم تفعيل نظام الإفراج المقيد بشروط بالإضافة للعفو الملكي المنظم بالظهير المذكور أعلاه، فإن قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد جاء بمؤسسة مهمة تتمثل في نظام الإفراج المقيد بشروط الذي أسس له هذا القانون في مواده من 622 إلى 632، إلا أن الممارسة أثبتت الغياب شبه التام لتفعيل هذا النظام لحد الآن. وبنظرة على مقتضيات هذه المواد يتبين هذا الإفراج تتولى النظر في طلباته لجنة تابعة لوزارة العدل تضم تقريبا نفس التركيبة المشكلة منها لجنة العفو، باستثناء ما يتعلق باستبعاد ممثل الديوان الملكي وضابط القوات المسلحة الملكية منها (المادة 624 قـ. م. ج). وتقدم هذه اللجنة خلاصاتها لوزير العدل بعد دراستها للمقترحات المقدمة من رؤساء المؤسسات السجنية (المادة 625) وتتميز هذه المؤسسة القانونية بتنظيم يضمن تجاوز العديد من السلبيات المرافقة لمؤسسة العفو كما هي مفعلة حاليا. إذ يمكن التدليل على ذلك باستحضار بعض المزايا التي يمكن التمثيل لها كما يلي: 1. توضيح بعض شروط وقيود الاستفادة من الإفراج تتجسد في هذه الضوابط في تلك الشروط القبلية التي ينبغي أن تُستجمع قبل الاستفادة من الإفراج كتلك المنصوص عليها بالمادة 622 من قانون المسطرة الجنائية التي تقصر الحق في الإفراج فقط على المحكوم عليهم الذين أثبتوا بما فيه الكفاية عن تحسن سلوكهم، وتربط الاستفادة منه بقضائهم مدة محددة من العقوبة المحكوم بها عليهم، ففي حالة المدانين بجنحة مثلا، فإن الإفراج عنهم مشروط بقضائهم حبسا فعليا يعادل على الأقل نصف العقوبة المحكوم بها. وتتمثل هذه الضوابط كذلك في القيود البعدية التي ترافق تنفيذ الإفراج، خاصة ما سطر بالمادة 627 (ق. م. ج) التي أعطت الصلاحية لوزير العدل في الأمر بعدد من التدابير المواكبة التي تكون الغاية منها تسهيل وإعادة إدماج المستفيدين من الإفراج في المجتمع، كما يدخل ضمن هذه الصلاحيات، في مقابل ذلك، الأمر بطرد المُفرج عنه من تراب المملكة إذا كان أجنبيا. أما قرار الإفراج فينبغي أن يتضمن وجوبا تحديد المكان الذي يتعين على الشخص أن يجعله موطنا له والأجل المحدد له للتوجه إلى هذا المكان، وبيان السلطات التي يتعين على المفرج عنه التوجه إليها بمجرد حلوله بالمكان، والشروط التي يمكنه بمقتضاها إما التنقل مؤقتا وإما تغيير محل إقامته. ومن أهم الملاحظات أن الإفراج بشروط لا يمكن أن يُمنح إذا تم إبداء رأي بالرفض من طرف اللجنة المشرفة عليه التي تم عرض تركيبتها أعلاه، لذلك فإن تخويل لجنة العفو الملكي لنفس الحق من شأنه أن يجرد هذا العفو من بعض طابعه السياسي، ويجعله أكثر انضباطا للمعايير الموضوعية التي ينبغي أن تكون موجهة للمقترحات الصادرة عن هذه اللجنة. وهكذا يتضح أن تنظيم الإفراج المقيد بشروط جاء مؤطرا، وإن على المستوى النظري، بعدة أهداف متصلة بفلسفة المنظومة القانونية الجنائية التي تبتغي حماية المجتمع واستقراره بالحد من الجريمة، وفي نفس الوقت عدم إغفال شخص الجاني المحتاج للمواكبة والمراقبة حدا من خطورته وتسهيلا لاندماجه في المجتمع من جديد. 2. تعدد الجهات المتدخلة في تنفيذ قرار الإفراج لتقدير إمكانية التراجع عنه من المقتضيات التي تُـنَـزِّل فلسفة الإفراج المقيد بشروط كما ذُكِرت أعلاه، نصت المادة 628 من المسطرة الجنائية على وجوب توجيه نسخة من القرار الصادر به إلى وكيل الملك والعامل والوالي، حيث تقوم مصالح الشرطة أو الدرك الملكي، تحت إشراف هذه الجهات، بإعداد تقارير عن سيرة المفرج عنه أو مدى مخالفته للشروط المحددة في القرار بالإفراج. وبناء عليه يمكن العدول عنه إذا ثبت سوء سلوك المستفيد أو مخالفته للشروط المذكورة قبل انتهاء مدة العقوبة، إذ يمكن للنيابة العمة أو العامل أو الوالي في حالة الاستعجال الأمر باعتقال المُفرج عنه احتياطيا، بشرط إخبار وزير العدل داخل 48 ساعة الذي له أن يحسم في استمرار هذا الإجراء من عدمه (المادة 629 ق. م. ج). وفي جميع الأحوال فإن العدول عن الإفراج يفرض على المحكوم عليه قضاءه لما تبقى من العقوبة من تاريخ حصوله مع اعتبار مدة الاعتقال الاحتياطي المذكورة آنفا (المادة 630 ق. م. ج.). وبالرغم من هذا التنظيم المتضمن للعديد من الإيجابيات، فإن توسيعه لمجال تدخل الجهات الإدارية المتمثلة في العامل والوالي بما يمنحها الحق في الأمر بالاعتقال الاحتياطي للمُفرج عنهم في حالة سوء سلوكهم أو مخالفتهم لشروط الإفراج، يبقى غير مبرر من زاوية مسه بحرية الأفراد وتطاوله على اختصاصٍ ينبغي أن يظل مجالا قضائيا صرفا، انسجاما مع المواثيق الدولية التي تجعل تقييد الحرية غير مقبول إلا بصدور الأمر به عن جهة قضائية. ونفس الملاحظة تسجل في شأن إطلاق يد وزارة العدل في كل ما يتعلق بهذا الإفراج من حيث الأمر به والعدول عنه والتدابير المرافقة له، وهذا الأمر كان منسجما مع الوضع القانوني السابق الذي كان فيه وزير العدل رئيسا للنيانة العامة، وكانت فيه إدارة السجون تابعة لوزارة العدل، أما الآن فإن التنزيل السليم الدستور المؤكد لاستقلال السلطة القضائية يترتب عنه إلغاء تبعية النيابة العامة لوزارة العدل، كما أن ظهير 29 أبريل 2008 راجع تبعية المندوبية العامة للسجون لوزارة العدل وأقر الإشراف عليها للوزير الأول (رئيس الحكومة)، لذلك فإن الصلاحيات الواسعة لوزير العدل بخصوص الإفراج المقيد بشروط الذي يعرف تدخل السلطة القضائية والمؤسسة المشرفة على تنفيذ العقوبات، لم يعد لها أي أساس قانوني منسجم مع هذه التغيرات التشريعية التي عرفها المغرب. وعلى العموم يبقى مهما أن الإفراج المقيد بشروط قابلا للعدول عنه عكس العفو الملكي الذي يأخذ طابعا نهائيا غير قابل للمراجعة. لذلك فإن تفعيل هذا نظام الإفراج الشرطي في مقابل تضييق حالات اللجوء إلى نظام العفو، من شأنه أن يخفف من الإشكالات التي قد تنجم عن القرارات الصادرة في ضوء هذا النظام الأخير، في أفق مراجعة قانون العفو بتدقيق شروطه وتوضيح المعايير التي ينبغي أن يكون مؤسسا عليها. المصدرhttp://www.marocdroit.com/العفو-الملكي-بين-التوظيف-السياسي-والحاجة-إلى-المراجعة-القانونية_a3783.html | |||
| |||
| |||
|
0التعليقات :