التسيير الجماعي والمحاكم المالية



الأستاذ مصطفى كرام متصرف اداري واستاد باحث في سلك الدكتوراه كلية الحقوق بفاس
للإطلاع على الجداول المرفقة بالدراسة يرجى الولوج عبر النسخة المرفقة أسفل هذه الصفحة

التسيير الجماعي والمحاكم المالية



مقدمة



شكل التنظيم الإداري من بين أهم اهتمامات الدولة منذ الاستقلال، فاعتمدت اللامركزية الإدارية كأساس لهذا التنظيم، وهكذا انطلقت المرحلة الأولى لبناء اللامركزية في المغرب منذ سنة 1960، بصدور ميثاق التنظيم الجماعي، وبعدها قانون تنظيم مجالس العمالات والأقاليم سنة 1963، ثم تلتها بعد ذلك مرحلة ثانية انطلقت سنة 1976 تميزت على الخصوص بصدور قانون جديد يعرف بظهير 30 شتنبر 1976، ويعد هذا الأخير المؤسس للمشروع اللامركزي بمفهومه الحديث على مستوى البلديات والمجالس القروية، لكن كان قبلها تقسيم جهوي سنة 1972 حيث تم تقسيم التراب الوطني الى سبع جهات اقتصادية لكن دون اختصاصات تقريرية، وخلال عقد التسعينات، تم الارتقاء بالجهة إلى مؤسسات دستورية بمقتضى الفصل 94 من دستور 1992 والفصل 100 من دستور 1996.

وابتداء من سنة 1997، سيعرف التنظيم اللامركزي بالمغرب تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور قانون 43/96 الخاص بإحداث وتنظيم الجهات، وبعد دلك القانــون رقم 79.00 المتعلق بالتنظيم العمالات والاقاليم بالمغرب الصادر في 03 أكتوبر 2002، والقانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في صيغته الجديدة، كما تم تعديله سنة 2009 واتى بعدة مقتضيات جديدة ودلك لتعزيز اللامركزية، هدا بالإضافة الى دستور 2011 الذي عزز بدوره وبشكل كبير هدا التنظيم في العديد من فصوله، بل اكثر من دلك فقد خصص باب تحت عنوان “الجهة والجماعات الترابية الاخرى”.

إن أي إصلاح في مجال اللامركزية الإدارية رهين بتطوير أدوات المراقبة الفعالة لحماية المال العام، ولعل أنجع المراقبات هي المراقبة القضائية والتي تدخل المجالس الجهوية للحسابات ضمنها كمحاكم مالية.





التسيير الجماعي



1- الجماعات المحلية و الإطار القانوني المنظم



الجماعات المحلية حسب الفصل 100 من الدستور هيٍ : "الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية وكل جماعة أخرى تحدث بقانون" وهي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. تتوفر الجماعة على مجموعة بشرية وتنظيم إداري وأجهزة منتخبة وأجهزة إدارية وموارد بشرية ومالية مستقلة.

فالجماعة تسير وتدير شؤونها من قبل مجلس جماعي منتخب على اعتبار أنها الدائرة الأولى التي يتمكن فيها المواطنين بواسطة من انتخبوهم في المجلس الجماعي من أن يديروا شؤونهم بحرية ويمارسوا حقوقهم المدنية و بأن تكون لديهم إدارة قريبة وفعالة تصغي إلى انتظار اتهم وتطلعاتهم.

وتجربة الجماعات المحلية بالمغرب هي تجسيد لخيار اللامركزية الإدارية الذي اعتمده المغرب منذ الاستقلال وهي تمثل خياراً لا رجعة فيه وورشاً يحظى بالأولوية في السياسات العامة للمملكة.

فكرة اللامركزية الإدارية أو الإقليمية تقوم على أساس توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية بالعاصمة وبين هيئات محلية مستقلة. ويشترط في ذلك توفر ثلاث أركان:

 الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة ومتميزة عن المصالح الوطنية

 -أن يعهد بالإشراف على هذه المصالح إلى هيئات منتخبة

 أن تستقل هذه المجالس في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية.

لقد شهدت اللامركزية على مستوى الجماعات إصلاحاً جذرياً في العام 1976 من خلال اعتماد إطار قانوني جديد خوّل الجماعات مسؤوليات واسعة فيما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، ونقَـل سلطة إجراء مداولات المجالس من ممثل الدولة إلى رئيس المجلس الجماعي باعتباره سلطة منتخَبة.

كما تم تعزيز مسلسل اللامركزية عام 1992 من خلال إحداث الجهة، باعتبارها جماعة محلية ذات اختصاص، تشكّل إطاراً ملائماً لتطوير آليات ومناهج جديدة كفيلة بتثمين أمثل للموارد البشرية والطبيعية والبيئية للجهة.

فالجهة تمثل إطاراً جغرافياً يضم أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية، تقوم على تعزيز أسس الديمقراطية المحلية، والتضامن داخلياً وخارجياً بين الجهات والتنسيق بين مختلف الفاعلين الذين يكوّنون الجهة بغية تحقيق تنمية محلية مندمجة ومتنوعة.

وهكذا حدّد ظهير 2 أبريل 1997 تنظيم الجهة على أساس تعزيز الممارسات الديمقراطية، من خلال تمكين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وباقي مكوّنات المجتمع المدني، من استثمار الجهة باعتبارها فضاء جديداً للتفكير والحوار والعمل.

لقد صاحبت قوانينَ اللامركزية إنْ على مستوى الجماعة، أو العمالة أو الإقليم أو الجهة، جملةٌ من إجراءات المواكبة تتوخى تمكين الهيئات المنتخَبة من أداء مهامها في أمثل الظروف التي تضمن الفعالية ونجاعة الأداء. فالإصلاح الجماعي الذي أتى به ظهير 30 شتنبر 1976 وقع تعديله بمقتضى ظهير3 أكتوبر 2002 القاضي بتنفيذ القانون رقم 00- 78 المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي تم من خلاله تعدد مسؤوليات المجلس الجماعي لتشمل كل مجالات التنمية المحلية، هذا الأخير بدوره شهد تعديلا وذلك من اجل وضع اليد على مكامن الخلل والإشكاليات التي أبانت عنها تجربة اللامركزية والتي يستوجب تجاوزها إصلاح وملائمة الإطار القانوني الذي ينظم العمل الجماعي... وهكذا وبمقتضى التعديل الذي جاء به ظهير 1-08-153 الصادر بتاريخ 18 فبراير 2009 القاضي بتنفيذ القانون رقم 17-08، أدخلت عدة تعديلات على الميثاق الجماعي تتمحور عموما في تقوية آليات الحكامة المحلية، ودعم وحدة المدينة، وتحسين آليات تدبير المرافق العمومية بالتجمعات الحضرية الكبرى، والحد من هشاشة مؤسسة الكاتب العام ...

إلى جانب تعديل ووضع قوانين جديدة أخرى كالتنظيم المالي لجماعات المحلية من خلال ظهير 01-09-02 الصادر بنفس التاريخ (18/02/2009) والقاضي بتنفيذ القانون رقم 45-08

والقانون رقم 47/06 المتعلق بتنظيم الجبايات المحلية الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2008.



2- مهام واختصاصات الجماعات المحلية



فحسب المادة 35 من الميثاق الجماعي الجديد "يفصل المجلس بمداولاته في قضايا الجماعة. ولهذه الغاية، يتخذ التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...يستفيد من مساعدة الدولة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام..." كما ان المادة 36 من نفس الميثاق تنص على: " يدرس المجلس الجماعي ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية، يعده رئيس المجلس الجماعي...يحدد المخطط الجماعي للتنمية الأعمال التنموية المقرر انجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات، في أفق تنمية مستدامة وفق منهج تشاركي يأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع..." من خلال هاتين المادتين، يتضح أن المسؤولية التنموية للجماعة تتخذ ثلاثة أوجه :

مسؤولية اقتصادية: وتبرز في البرامج الاقتصادية المحلية التي يعدها المجلس بصفته شريكا في التنمية، إما كمساعد للدولة بتثبيته لبنيات استقبال لمشاريع وإما كفاعل محلي يسعى إلى أهداف اقتصادية تتماشى مع خصوصياته. فدائما حسب المادة 36 من الميثاق الجماعي، يضع المجلس كل التدابير التي من شانها المساهمة في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات. يقوم المجلس كذلك بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، ولا سيما انجاز البنيات التحتية والتجهيزات وإقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف المقاولات...

مسؤولية اجتماعية: بما أن المجلس الجماعي هو المعبر عن إرادة الناخبين على المستوى المحلي، فهو بدلك الأقرب لمعرفة حاجيات المواطنين و ترتيب أولوياتها ومدى تأثير الاستجابة لها على نفسية سكان الجماعة. فالمجلس يضع برامج تجهيز الجماعة في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها...وتشمل هذه البرامج مجالات الصحة، التربية الوطنية والشبيبة والرياضة.

مسؤولية ثقافية: تتمثل في النهوض بالشأن الثقافي على المستوى المحلي ودعم الجمعيات الثقافية من اجل الحفاظ على التراث الثقافي المحلي وإنعاشه ...كما يساهم في انجاز وصيانة وتدبير المراكز الاجتماعية للإيواء ودور الشباب والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة والمنتزهات ومراكز الترفيه...يساهم المجلس كذلك في انجاز وصيانة المركبات الثقافية والمتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية ويشارك في التنشيط الاجتماعي والثقافي والرياضي بمساعدة الهيئات العمومية المختصة.

إذا ومن خلال ما تقدم، يمكن أن نعتبر الجماعات المحلية مؤسسات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسية إذا توفرت الشروط الدستورية و القانونية و الاقتصادية التي تساعد فعلا على قيام تلك الجماعات بدورها التنموي المحلي الرائد، و يتمثل الشرط الأساسي لإفراز مجالس جماعية تعبر عن إرادة الساكنة على المستوى المحلي و يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية المتعددة الأوجه كما سبق تفصيله، في توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة و نزيهة لإفراز مسؤولين جماعيين يعبرون قولا و فعلا عن إرادة الناخبين الذين اختاروهم للقيام بالعمل الجماعي. أما الشرط الاقتصادي، فيتمثل في ضبط الموارد القائمة، و البحث عن موارد جديدة بعيدا عن إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المختلفة، وترشيد صرف تلك الموارد في مشاريع تنموية تساعد على نهوض الجماعة وتحقيق إقلاع اقتصادي متكامل.



3- الجماعات المحلية بالمغرب فاعل أساسي في التنمية



1-1- مكانة اللامركزية :



 هي خيار لا رجعة فيه كتأكيد للحريات الفردية والجماعية وكترجمة للديمقراطية المحلية وسياسة القرب.

 تستمد جذورها من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وتاريخ أسلافنا والاقتباس من بعض النماذج الأجنبية الاختيارات المعمول بها منذ الاستقلال.

 ثلاث مستويات للجماعات المحلية تتمتع بضمانات دستورية:

 16 جهة.

 13 عمالة.

 62 إقليم.

 1503 جماعة (201 من البلديات، و1282 جماعة قروية).



1-2- الجماعات المحلية فاعل أساسي في مجال التنمية والاستثمار والشراكة:



أ‌- في مجال التنمية:



 أهمية الاختصاصات والصلاحيات التي تم نقلها تدريجيا من طرف الدولة منذ سنة 1960، على مستوى الجماعات المحلية لكونها فاعلا أساسيا في تنمية القرب، كانت آخر مرحلة هي الميثاق الجماعي لسنة 2009.

 وجود حوالي 27.767 مستشار، تم تجديد أكثر من نصفهم خلال الاستحقاقات الانتخابية بتاريخ 12 يونيو 2009.

 الدور الاستراتيجي للجماعات المحلية في ميدان التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والاستثمار....



ب‌- على مستوى الموارد المالية: تدبير ميزانيات جد مهمة برسم سنة 2010:



يصل حجم مداخيل الجماعات إلى 22260 مليون درهم.

وحجم نفقات التسيير إلى 17793 مليون درهم يخصص 53% منها لنفقات الموظفين.



ج- على مستوى الاستثمارات: تساهم الجماعات المحلية في:

الاستثمارات العمومية بجانب الدولة وباقي الفاعلين في مجال التنمية.

أكثر من 20% لتمويل مشاريع التنمية البشرية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.



د- الشراكة:



الانخراط في العديد من اتفاقيات الشراكة على المستوى الوطني:

 مع الدولة والمؤسسات العمومية والشبه العمومية في إطار العديد من البرامج التنموية الوطنية (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، البرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالكهرباء، الطرق القروية، التطهير، الوقاية الصحية، الرياضة، الثقافة، دور الحضانة...)

 مع القطاع الخاص (والقطاع الخاص الأجنبي) من أجل تدبير المرافق العمومية (النقل الحضري، تدبير النفايات، التطهير...).

 مع جمعيات المجتمع المدني في مشاريع تنمية سياسة القرب.

الشراكة في إطار التعاون بين الجماعات (131 مجموعات الجماعات تشمل معظم القطاعات التي تتدخل فيها هذه الأخيرة)

على ا لمستوى الجهوي والدولي: الانخراط في التعاون اللامركزي عبر العالم من خلال التوأمة، ابرام اتفاقيات التعاون والشراكة أو الانخراط في شبكات السلطات المحلية.



1-3- مكانة الموارد البشرية في دينامية التنمية المحلية



أ‌- العدد الإجمالي لموظفي الجماعات المحلية



149.541 موظف، أي ما يعادل % 25,4 من مجموع موظفي الدولة.

58,5 % ينتمون إلى البلديات.

24,7 % ينتمون إلى الجماعات القروية.

التقنيون : 17.8 % من المجموع الإجمالي.

نسبة التأطير : 10,3 %.

و كذلك معدل 4,8 % من الأطر لـكل 1000 نسمة.





ب‌- توزيع موظفي الجماعات المحلية حسب الوظيفة و نوعية الجماعة





للاطلاع على الجداول يرجى الولوج عبر النسخة المرفقة أسفل هذه الصفحة



وبذلك أضحت الجماعات المحلية المغربية في الآونة الأخيرة إحدى المحددات الرئيسية للتدخلات العمومية في مختلف مظاهر الحياة العامة للدولة.

ولم تأت هذه الأهمية بمحض الصدفة ولا من فراغ، بل كانت نتيجة طبيعية لتطورات وطنية ودولية أملتها ظروف ومعطيات معينة أفرزت لنا وحدات ترابية مبادرة، نشيطة، فعالة وساهرة على تدبير الشأن العام المحلي ومساهمة في القضايا الكبرى للبلاد.

ومن جملة تلك الظروف المتحكمة في تنامي دور الجماعات المحلية، ما يتعلق بالعوامل الدولية والمتجلية أساسا في انتشار الفكر الديمقراطي والمشاركة السياسية ودعائم دولة الحق والقانون التي تدعو إلى إشراك الساكنة المحلية في جميع المبادرات التي تهم الشأن العام المحلي حتى تكون أكثر إسهاما في التعاطي مع الرهانات المطروحة عليها.

وإلى جانب ذلك، ساهمت العولمة بكل تجلياتها في تجاوز المفهوم التقليدي للحدود المتعارف عليها إلى مفهوم أكثر امتدادا وشمولا للمعرفة والاقتصاد والسوق بحيث لا تعترف بالجهود الانفرادية للدولة المركزية، بل تضع من الفكر التشاركي إحدى المبادئ الأساسية للتنمية المستديمة.

كما جاءت التوصيات الصادرة عن الهيآت المالية الدولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي لتحث الدولة على إشراك فاعلين اقتصاديين آخرين لحل إشكالية التنمية والنمو ، وفي هذا الصدد يمكن التذكير مثلا بالتقرير الشهير للبنك الدولي سنة 1995 بخصوص وضعية الإدارة المغربية، والذي من جملة ما دعا إليه هو البحث عن أدوار جديدة للجماعات المحلية وتقوية مساهمتها في تدبير الشأن العام المحلي والوطني.

وإذا كانت العوامل الدولية قد ساهمت بشكل كبير في تنامي الجماعات المحلية للعب دور أكثر ديناميكية، فإن المعطيات الداخلية كرست أيضا هذه الطفرة نتيجة عدة أسباب من بينها تراجع دور الدولة بسبب أزمة القطاع العام وتزايد النفقات العمومية وسوء التسيير ، زيادة على مشكل المديونية وضعف مؤشرات الاقتصاد وانتشار الفقر والأمية والإقصاء الاجتماعي.

كما أن القطاع الخاص اتسم ولفترات طويلة بالهشاشة وضعف ومحدودية تدخلاته، علما أن المشاريع التي تبرمجها الدولة تحتاج إلى تكلفة كبيرة وإمكانيات جد هامة عادة ما تتجاوز إمكانيات القطاع الخاص.

وإلى جانب هذا، منحت القوانين المؤطرة للجماعات المحلية ولا سيما الأخيرة منها عدة إمكانيات للتدخل الاقتصادي إما بشكل مباشر أو بالدخول في شراكة مع فرقاء وفعاليات أخرى أو الإنفتاح كليا على القطاع الخاص.

إلا أنه، وبالرغم من هاته العوامل المساعدة والمحفزة لدور الجماعات المحلية في تنشيط الحياة الاقتصادية المحلية ودخول مجال التنافسية والاستثمار والانفتاح على المبادرات الخارجية، فلازالت هناك عدة رهانات جد مهمة تتطلب التعبئة والتخطيط. فالنمو السكاني بالمغرب انتقل من 15.379.254 نسمة سنة 1971 إلى 29.892.000 نسمة سنة 2004 . كما أن معدل التحضر ارتفع في نفس الفترة من %35 إلى %55,1 ، ويتوقع أن تبلغ ساكنة المغرب في سنة 2014 رقم 35 مليون نسمة بمعدل للتحضر يصل إلى %65 .

وبالنظر إلى حجم هذا النمو، فإن الأمر يتطلب تجهيز حوالي 3000 هكتار سنويا قصد الاستجابة لحاجيات الأسر بإقامة مساكن وتجهيزات ومناطق للأنشطة الاقتصادية التي تحتم سنويا تعبئة 1,8 مليار درهم .

وإذا أخذنا كذلك على سبيل المثال حاجيات الساكنة من التطهير السائل وتصفية المياه العادمة، فإنه يجب تعبئة أكثر من 20,7 مليار درهم، أي ما يعادل ملياري درهم سنويا إلى غاية 2015 .

إن اعتبار الجماعات المحلية كشريك للدولة إلى جانب المؤسسات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، يحتم ولاشك أن تقوم هذه الجماعات بأدوار كبيرة ومتنوعة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

غير أنه بالرجوع إلى تجربة الجماعات المحلية طيلة الأربع عقود التي خلت، نجد أنها مازالت تعاني من إكراهات كثيرة وصعوبات عميقة نتيجة عوامل متداخلة ومعقدة. فالإطار المؤسساتي غلب عليه التسيير التقليدي نتيجة سوء التنظيم وتبذير الإمكانيات وطاقات الجماعة عوض استثمارها في مجالات وقطاعات منتجة تعود بالنفع على الساكنة. كما أن النصوص القانونية المحلية عانت بدورها من العمومية والمصطلحات الفضفاضة وتداخل في الاختصاص والمسؤوليات. وقد زاد من ضعف مردودية الوحدات اللامركزية محدودية كفاءة الموارد البشرية،

وإلى جانب هاته الإكراهات، فقد شهدت الجماعات المحلية امتدادا مجاليا واسعا، لكن بتوزيع مختل وغير منظم بسبب النقص في البنيات التحتية والتجهيزات، وتدهور المرافق العمومية، خاصة في مجال إيصال الماء والكهرباء والتطهير، وكذا مشاكل على صعيد قطاع النقل وضعف وسائل النقل العمومي.

ولم يخرج المجال العمراني عن هذه الاختلالات، إذ شهدت بعض المدن توسعا مضطردا في البناء العشوائي وانتشار مدن الصفيح والسكن غير اللائق وغياب الجمالية المعمارية المحلية والمتوازنة وتدهور المحيط البيئي، وقد ولَّدت هذه الوضعية ظاهرة خطيرة تجلت بالخصوص في الإقصاء الاجتماعي وتفكك النسيج الحضري والتباين الصارخ بين المدينة والضاحية .

انطلاقا من المعطيات السابقة، يتبين لنا أن الحاجة أصبحت أكثر إلحاحا في تغيير مقاربة الدولة للجماعات المحلية كوحدات ترابية إدارية إلى جماعات اقتصادية تنافسية، تقوم بتنشيط الدورة الاقتصادية المحلية، وكأحد الشركاء الرئيسيين للدولة في المبادرات الكبرى وإنعاش الاستثمارات وحل المشاكل الاجتماعية.



غير أنه لتحقيق هذه القفزة النوعية، فمن الضروري تغيير طريقة تسيير الشأن العام المحلي، وذلك بالانتقال من النظرة التسييرية الضيقة إلى المقاربة التدبيرية الحديثة والمتجددة.

وقبل الخوض في ثنايا المقاربة الجديدة للتدبير المحلي، يتعين الوقوف عند جوانبها المفاهيمية. وهكذا عرف التدبير العمومي بأنه "مجموعة من المفاهيم المساعدة على اتخاذ القرار تتكيف في جزء منها مع المجال العمومي، وكذا مناهج للتسيير مستقاة مباشرة من القطاع الخاص (محاسبة تحليلية، رقابة تسيير ...) مع إدماج الأنظمة المعلوماتية" . كما ذهب فريق آخر إلى تعريفه بأنه " المجهود المبذول لتكييف البنيات الإدارية ومناهج عمل الإدارة مع المحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي العالمي" .

إذن فالتدبير العمومي "يقدم آليات تتكيف والنظرة الواقعية لتصريف الشأن العام، بمناهج مختلفة وملائمة حسب نوعية المهام المنوطة والمشاكل المطروحة، وربط حوار التواصل مع المحيط العام" .

ونستطيع أن نجمل مظاهر التدبير العمومي في المحاور التالية :



 رصد الأهداف المحددة والعمل على تحقيقها؛

 الاستعمال المعقلن للموارد المتاحة البشرية والمادية؛

 التقيد بمضمون الدورة التنظيمية، وتشمل على:



 التنظيم؛

 التخطيط الاستراتيجي؛

 التدبير العلائقي؛

 التوجيه والتتبع؛

 التقييم والتقويم.



ويتم تجسيد هذه المحاور عبر ثلاثة مستويات أساسية:



- المستوى الإستراتيجي: يتم تحديد السياسات العامة والخيارات الأساسية وبرامج العمل والأولويات والبرامج المستعجلة؛



- مستوى التدبير الإداري: يهدف بالأساس إلى عقلنة استعمال الموارد المالية والبشرية للمسؤوليات والأدوار وتوخي النجاعة والمردودية عند تنفيذ السياسات العمومية ؛



- المستوى الإجرائي: ترجمة الأهداف المسطرة والمحددة على أرض الواقع مع التحديد الجيد.



واستنادا إلى هذه المعطيات، فإن التدبير "يهدف إلى تعبئة الطاقات والقدرات والتواصل الداخلي ومسايرة التغيير وعقلنة الوسائل عن طريق تبني تقنية اللجن واختيار البنيات التنظيمية، وتحديد الأدوات الإستراتيجية" . كما يتوخى الفعالية والتنافسية والجودة والمردودية.



وفي هذا الصدد، هناك اعتقاد على أن المبادئ التي يقوم عليه التدبير العمومي ظهرت في القطاع الخاص وبالأخص في المقاولات العمومية. لكن، هناك من يرى على أن التدبير العمومي سابق على التدبير الخاص، بدليل استعمال مفاهيم مستمدة من المجال العسكري، حيث أن جل تقنيات التدبير التي طورت في القرن العشرين استلهمت من الميدان العسكري كمفهوم الإستراتيجية مثلا. في حين، هناك من يرجع مفاهيم القيادة والتنظيم إلى حضارات جد قديمة كالصين واليونان والرومان .

وبغض النظر عن هذه التعاريف والجذور التاريخية، وفي خضم التحولات الكبرى التي تشهدها بنيات الدولة وتجدد أدوراها، تعالت الدعوة إلى تطوير النظام اللامركزي الذي يستند على الشرعية الإدارية والعقلانية القانونية، وذلك بتبني منظور جديد ومقاربة مغايرة تجمع بين تعزيز المكتسبات السياسية، وتوخي البعد التدبيري وذلك من خلال ترسيخ مفهوم إدارة القرب، وإعادة اكتساب الثقة في الفعل العمومي من قبل القوى الحية سواء القطاع الخاص أو جمعيات المجتمع المدني، الأمر الذي يدفع إلى إعادة تأسيس قواعد لعبة سياسة تحتم الشفافية والمساءلة والإشراك والإسهام .

وإدراكا لهذا، وقصد تأهيل النسيج الحضري والرفع من مستوى الخدمات التي تقدمها الجماعات المحلية وتطوير أساليب عملها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، ولضمان ربح التنافسية، خاصة في زمن العولمة والانفتاح على الأسواق، جاء الإطار العام المنظم للامركزية الترابية ليأسس ثقافة جديدة تنبني على أسس الحكامة الجيدة ومبادئ التدبير العمومي عبر ترسيخ ديمقراطية القرب وتدعيم مجال المسؤوليات المحلية، وذلك بناء على عدة محددات ثابتة وأخرى مواكبة.



ويأتي الجانب القانوني في مقدمة هذه المحددات، إذ هو العنصر الأول والمؤسس لنوعية الأدوار التي سوف تقوم بها اللامركزية الترابية. وفي هذا الصدد عمل واضعوا قانون الجماعات المحلية خاصة من خلال القوانين الأخيرة على إدخال مجموعة من التدابير التنظيمية والمؤسساتية القائمة على أسس التدبير العمومي حيث تم توسيع وتوضيح اختصاصات المجالس المحلية ورؤسائها، وذلك بالتنصيص على اختصاصات ذاتية وأخرى محولة من الدولة إلى الجماعات وثالثة استشارية. ونفس الشيء يقال عن اختصاصات الرئيس والتي عرفت توسعا من جهة وتقنينا في علاقتها مع السلطة المحلية من جهة أخرى.

ومن بين المقتضيات الأخرى التي عرفتها القوانين الأخيرة المنظمة للجماعات المحلية ما يتعلق بتحسين تسيير المجالس المحلية وأجهزتها المساعدة وتحسين النظام القانوني للمنتخب الجماعي.

كما كانت القوانين الأخيرة أكثر ايجابية عندما جاءت بتصور جديد لتدبير نظام المدينة محاولة بذلك تجنب السلبيات التي اعترت نظام المجموعات الحضرية خاصة المتعلقة بتداخل الاختصاصات والتفاوتات المالية والاقتصادية وتشتت الطاقات والجهود، وذلك بأخذ نظام موحد للمدينة يقوم على أساس مجلس جماعي ومجالس مقاطعات قصد وضع تصورات شاملة ومتكاملة للتنمية في قالب يغلب عليه التخطيط الاستراتيجي المتعدد السنوات.

إن نجاح التدبير الاقتصادي للجماعات المحلية يمر حتما عبر توفير شروط التدخلات الاقتصادية سواء المباشرة أو في إطار التعاون والشراكة. وهكذا جاء النظام القانوني بجملة من الإجراءات المحفزة، حيث استبدل نظام النقابات بمفهوم أكبر تعبيرا وهو مجموعة الجماعات وكذا تحفيز الجماعات المحلية بجميع أصنافها على التعاون فيما بينها كلما كان هناك عمل مشترك أو تدبير مرفق ذي فائدة مشتركة. كما عمل المشرع على ضبط المقتضيات المنظمة لها كالاتفاق على موضوع المجموعة ومقرها وآجالها وتسميتها وطبيعة ومبلغ المساهمة المالية، وكذا مسطرة الإنسحاب من المجموعة أو حلها.

وفي هذا الصدد، إذا كان التدبير العمومي للأنشطة الاقتصادية المحلية مهم، فإن المقاربة التدبيرية التشاركية تشكل مستقبل عمل الجماعات المحلية. فمظاهر تعقد المدينة المغربية كثيرة ومتنوعة والحاجيات في تزايد مستمر، الأمر الذي يفرض تعبئة الطاقات وجمع الإمكانيات وفق منهجية محكمة ومتكاملة.

وهكذا فقد تعددت أشكال الشراكة وأفرزت نماذج متعددة، من بينها الشراكة بين الجماعات المحلية والإدارات المركزية والمؤسسات العمومية. وقد وجدنا لهذا الإطار انتشارا مهما سيما في مجال توزيع الماء والكهرباء ومحاربة السكن غير اللائق والمجال الصحي والتعليمي.

كما شكل التعاقد بين الجماعات المحلية والقطاع الخاص أحد الأشكال المتطورة للشراكة، حيث يساهم القطاع الخاص في إنجاز العديد من المشاريع المبرمجة إما بشكل مباشر أو بتعاون مع الجماعات. وهذا الأسلوب لا يشمل المنعشين العقاريين فقط، بل يمتد إلى أكبر من ذلك بالتعاقد مع شركات كبرى للنقل الحضري وتوزيع الماء والكهرباء أو النظافة وذلك في إطار عقود الامتياز أو التدبير المفوض.



وللإشارة، فإن مظاهر التعاون والشراكة لا تشمل فقط الحدود الجغرافية للوطن، بل تمتد حتى خارجه، إذ يمكن للجماعات المحلية المغربية إبرام اتفاقيات التوأمات والتعاون اللامركزي والانخراط في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلية وكل أشكال التبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية بعد موافقة سلطة الوصاية.

إذن، فالإطار القانوني جد محفز وجاء أكثر ايجابية من سابقيه. غير أنه يحتاج في تفعيله إلى محددات أخرى وعلى رأسها الوسائل المادية والبشرية.

ومن بين الوسائل المادية التي تؤثر في الحركة الاقتصادية المحلية نجد المالية المحلية، حيث قام المشرع بعدة إصلاحات إذ منح الجماعات المحلية عدة موارد ذات طبيعة جبائية أو غير جبائية كالأملاك. كما سمح لها باللجوء إلى الاقتراض من صندوق التجهيز الجماعي، دون أن ننسى استفادتها من أجزاء من الضرائب الوطنية كالضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات حسب القوانين المعمول بها في هذا الشأن.

ثم إن التحدي الذي تعرفه المالية المحلية مرتبط أساسا بعاملين أساسيين: الأول يخص تدعيم نسبة استقلالية ميزانية الجماعات المحلية عن إمدادات الدولة، والثاني يتعلق بتقليص مصاريف التسيير التي تهيمن على الميزانيات المحلية، والتي لا تترك هامشا كبيرا للاستثمار والتدخل الاقتصادي.

ومن جهة أخرى فحسن تدبير الجماعات المحلية لا يرتبط فقط بالجانب المالي. بل يشكل التحكم في التوسع العمراني لوحداتنا الترابية احد المؤشرات المهمة لإنجاح ذلك التدبير. فعدم ضبط الامتداد الترابي للمدينة قد يخلق أشكالا ومظاهر متعددة، حيث أن جل المدن فاقت بكثير التوقعات المجالية والزمنية التي حددتها وثائق التعمير، مما يشكل حجرة عثرة لتنمية الوحدات الترابية.

وانطلاقا من هذا، فإن الأمر يتطلب مقاربة جديدة لتوسع مدننا بتبني منظور شمولي تشاركي يتجاوز تدخلات القطاع الواحد والإدارة الواحدة نحو بناء مشروع حضري متكامل الجوانب ومرتبط بالتنمية.

وللوصول إلى هذا الهدف، يجب تأطير الجماعات بمخططات إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى وديمقراطية. وذلك بالإعداد التشاوري من قبل جميع المتدخلين من جماعات ومؤسسات عمومية وإدارات مركزية ومجتمع مدني وذوي الخبرة والدراية بالموضوع، مع تحديد الوظائف وتقنين العلاقة بين الشركاء المتدخلين في إطار وضع الاختيارات التنموية وتحديد الميادين التي تحظى بالأولوية.

وتجدر الإشارة إلى أن توفر الجماعات المحلية على إطار قانوني يسمح بالتدبير الاقتصادي ووسائل مالية وتقنية تبقى غير كافية في غياب عنصر بشري كفء، يبلور هذه المؤهلات على أرض الواقع ويخرجها إلى حيز الوجود. فمستوى الموارد البشرية يعتبر من بين المؤشرات المعتمدة في تقييم الأمم وقياس رخائها. كما تشكل حجر الزاوية والركن الأساسي للتنمية الشاملة والمستديمة، إذ كثيرة هي الشعوب التي تتوفر على كافة مقومات نجاح الدولة من ثروات طبيعية وموقع جغرافي وإرث تاريخي وحضاري، غير أنها تصنف ضمن الدولة المتخلفة والسبب في ذلك يرجع إلى تخلف مواردها البشرية.

وإدراكا لهذا، وفي إطار الاختصاصات الكبيرة والواسعة الممنوحة للجماعات المحلية، ولضمان النجاح في رفع التحديات التي تتطلبها التنمية، فإن الأمر يبقى رهينا بمستوى المنتخبين المحلين الذين يملكون المبادرة ويحددون السياسة العامة لجماعتهم المحلية ويخططون لبرامجها. لذلك فكلما كان مستوى المنتخب راق كلما كان عطاء الجماعة أكثر مردودية وإنتاجية. وما يساعد على تأهيل المنتخبين هي سياسة التكوين المستمر التي تهتم بعدة وسائل منها عقد دورات تدريبية داخل الوطن أو خارجها وكذا انفتاح الجماعات المحلية على المحيط السوسيوثقافي كإبرام اتفاقيات مع الجماعات المغربية قصد التكوين، زيادة على دور المناظرات الوطنية للجماعات المحلية كملتقى لاستعراض الخبرات وتبادل المعارف والتجارب والرؤى وطرح الإشكاليات التي تعاني منها الإدارة المحلية، ومن ثمة البحث عن الحلول ووضع استراتيجيات وخطط العمل الممكنة.

ولا يقتصر الاهتمام التي توليه الدولة للعنصر البشري المحلي على الهيئات المنتخبة فقط، بل يمتد الأمر إلى الموظفين الجماعيين الذين يسهرون على تنفيذ قرارات المجالس التداولية للجماعات المحلية. وفي هذا الصدد، قامت هذه الجماعات بمجهودات كبيرة في توظيف الأطر الإدارية والتقنية العليا والمتوسطة. كما عملت الوزارة الوصية على إحداث عدة مؤسسات متخصصة في مجال التكوين وكذا عقد ندوات تأطيرية على المستوى الجهوي شملت على سبيل المثال مواضيع الحالة المدنية والشرطة الإدارية وتدبير الميزانية وإعداد وتدبير مشاريع التنمية.

غير أنه إلى جانب المحددات القانونية والبشرية والمادية، فإن التدبير الاقتصادي المحلي يحتاج إلى مقومات نوعية جديدة لترسخ الحكامة الجيدة. ويمكن الإشارة على وجه الخصوص إلى الشفافية والتواصل والإدارة الالكترونية وتبسيط المساطير الإدارية.

كما تعد المالية المحلية من عدة جوانب مؤشرا حقيقيا للتطورات التي تعرفها المجتمعات الحديثة وعنصرا أساسيا للحكم على مسار إصلاح نظام اللامركزية المحلية.

فباعتبارها جزءا لا يتجزأ من المالية العمومية ظلت المالية المحلية موضوع عدة إصلاحات وتغيرات منذ سنوات السبعينات وهذه التغيرات لم تهم فقط تحولات البنيات المحلية بل همت كذلك بنيات الدولة والأسواق الاقتصادية والمالية.

والحقيقة أن المالية المحلية تتجاوز كثيرا الإطار العضوي التقليدي للمالية العمومية والتي تشكل المخرج المشترك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة لجميع الدول وذلك بسبب وجودها داخل مجموعة من البنيات والعلاقات المعقدة.

ففضلا عن الجوانب المتعلقة بتمويل الجماعات المحلية والعلاقات التي تربطها بالدولة هناك جانبا يكتسي أهمية قصوى وهو المتعلق بالرقابة على هذا النوع من المالية.

و يمكن القول أن المراقبة " هو نظام معلومات يمكن من خلاله معرفة ما إذا كانت الأهداف قد تحققت (مراقبة الفعالية) أو أن استهلاك الوسائل لم يكن مفرطا بالمقارنة مع النتائج المحصل عليها ( مراقبة الكفاءة).

أما مفهوم الرقابة المالية في أبعادها الحديثة فلم يوجد بمحض الصدفة أو العبث وإنما هي في واقع الأمر نتائج لمجموعة من التطورات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي عرفتها المجتمعات عبر العصور.

وتعد الرقابة المالية نوعا من الرقابة العامة التي تحظى بدور هام وأساسي في تنظيم المجتمعات والمؤسسات حيث عرفها المصريون القدماء والإغريق والرومان.

وبصفة عامة ترجع نشأة الرقابة المالية إلى نشأة الدولة وملكيتها للمال العام وإدارته نيابة عن الشعب الذي يعتبر العمود الفقري لنشأة الدولة وقيام الجماعات وهو وليد الصراعات المستمرة ولذلك حرصت مختلف الشرائع على حماية المال العام وإيجاد الوسائل الكفيلة لتنظيمه من حيث الإنفاق والتحصيل.

ولقد شكل موضوع الرقابة المالية في نظر جانب من الفقه مبحثا من أهم مباحث علم المالية العامة فهو العلم الذي تفرع عنه واستمد أسسه من علوم التشريع والسياسة والاقتصاد والمحاسبة والاجتماع والأخلاق

أما الجانب الآخر من الفقه فيربط الرقابة المالية بوجود جهاز أو عدة أجهزة يعهد إليها بواسطة نص قانوني أو دستوري لممارسة الرقابة على الأموال العمومية.

في حين خلص أحد الفقهاء إلى أن الرقابة المالية وفق المعنى العام تمثل تلك العملية أو الوظيفة التي تسعى للتأكد من سلامة تنفيذ التوجيهات التي تضمن الحفاظ على الأموال وحسن إدارتها.

والتعريف الآخر الذي يتماشى ويتفق مع التعريف الذي قدمته المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة على الأموال (الأنتوساي) في نظامها الأساسي وبالخصوص في مادته الثانية حيث نصت "أن الرقابة المالية تعني كل جهاز عال تناط به دستوريا أو قانونيا ممارسة الرقابة على المالية العامة والذي يزود كل من الجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي بالمعلومات الكافية حول كيفية إدارة واستعمال الأموال العمومية.

وفي نفس السياق اعتمد المؤتمر العربي الأول للرقابة المالية العليا على نفس الاتجاه في تعريف الرقابة المالية والذي يعتبر أكثر شمولية حيث أكد على أن الرقابة المالية هي "منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والمحاسبية والإدارية ويهدف إلى التأكد من المحافظة على الأموال العامة ورفع كفاءة استخدامها وتحقيق الفعالية في النتائج المحققة".

ثم إن الممارسة المالية المحلية في مجال الرقابتين الإدارية والسياسية تثير من جوانبها العملية والقانونية جملة صعوبات ومشاكل فالرقابة الإدارية تكون من السلطة التنفيذية على نفسها وهي بذلك تكون ضعيفة وغير حازمة كما أن الرقابة السياسية تعرف هي الأخرى عدة نواقص وحدود الأمر الذي دعا في التشريع المقارن إلى تشجيع "إنشاء هيئة مستقلة يراد منها الانصراف إلى هذه الرقابة العامة ويتحاشى فيها موضع الوعد المشهود في غيرها".

وفي هذا الإطار فإن استحضار هذه الصعوبات والمشاكل يدفعنا إلى تناول وجه ثالث من أوجه الرقابة يتعلق الأمر بالرقابة القضائية هذه الأخيرة تحتل المرتبة الأولى من حيث فعاليتها المباشرة في الحفاظ على مبدأ الشرعية عن طريق احترام القانون من قبل الإدارة.

إذا كانت مهمة القضاء العادي تنحصر في تطبيق حرفية النص القانوني والموقف عند نية وقصد المشرع دون التوسع في ذلك، فإن القضاء المالي قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة في إطار بحثه الدائم عن نقطة التوازن بين الحفاظ على الأموال العمومية وبين صيانة الخاضعين لاختصاصاته وذلك في إطار مرونة تامة لا تؤدي على التضحية بالمال العام ولا إلى شل روح المبادرة لدى الآمرين بالصرف.



مراقبة المحاكم المالية



يقصد بالقضاء المالي مجموعة من المؤسسات التي تتولى الرقابة العليا في البلاد على المالية العمومية والتي بالنظر إلى طريقة تشكيلها وطريقة سير عملها تكتسي طابعا قضائيا و بهذا المعنى فإن القضاء المالي هو الذي يتولى المراقبة على تنفيذ قوانين المالية من خلال التحقق من عمليات الموارد والنفقات العمومية وفي المغرب تتحدد مؤسسات القضاء المالي في المجلس الأعلى للحسابات وفي المجالس الجهوية للحسابات.

هناك عدة فرضيات وعوامل تستلزم تجويد أساليب ومنهاج الرقابة العليا على تدبير الجماعات المحلية وماليتها يمكن بإيجاز شديد ذكر منها العناصر التالية:



1. الاتجاهات الدولية الجديدة القاضية بدعم الحكم الجيدLa bonne gouvernance:

2. الأزمة التنظيمية والإستراتيجية التي تعرفها الدولة في مجال تفعيل الرقابة المالية وتجويد آليات تدخلها بصفتها وظيفة إستراتيجية في مجال تقويم تدبير الشأن العام وتحسين أدائه وتطوير مردوديته والسيطرة على العيوب والاختلالات التي تكتنفه.



و تعتبر المجالس الجهوية للحسابات بالمغرب من الأجهزة التي تتولى مراقبة حسابات الجماعات المحلية و هيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها، استنادا في ذلك إلى الفصل 98 من الدستور. إلى جانب هذا فقد جاءت مدونة المحاكم المالية لتحديد الوظائف التي تقوم بها المجالس الجهوية للحسابات في مجال الرقابة البعدية على مالية الجماعات المحلية و هيئاتها، حيث أنه و طبقا للمادة 117 من الكتاب الثاني من المدونة تنص على أن "تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة الجماعات المحلية و هيئاتها و كيفية قيامها بتدبير شؤونها" وبذلك تقوم المجالس الجهوية للحسابات بمراقبة مالية الجماعات المحلية باعتبارها هيئة أو مؤسسة قضائية دستورية لها وظائف قضائية و وظائف إدارية هذه الأخيرة و إن كانت ذات صبغة إدارية فإنها لا تخلو من البعد القضائي. و يمكن إجمال وظائف المجالس الجهوية في الرقابة المالية باستقراء المادة 118 من المدونة و التي تنص على أنه "يمارس المجلس الجهوي الاختصاصات التالية في حدود دائرة اختصاصه:



1- البث في حسابات الجماعات المحلية و هيئاتها و المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات والهيئات و مراقبة تسييرها.

2- مراقبة تسيير المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره و الشركات والمقاولات التي تملك فيها جماعات أو هيئات أو مؤسسات عمومية خاضعة لوصاية هذه الجماعات المحلية وهيئاتها على انفراد أو بصفة مباشرة أو غير مباشرة أغلبية الأسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.

3- مراقبة استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات غير تلك المذكورة أعلاه أو الجمعيات أو أجهزة أخرى تستفيد من مساهمة في الرأس المال أو مساعدة كيفما كان شكلها تقدمها جماعة محلية أو هيئة أو جهاز أخر يخضع لمراقبة المجلس الجهوي للحسابات.

4- ممارسة مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية بالنسبة لكل مستخدم يعمل في:



الجماعات المحلية و هيئاتها.

المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات و الهيئات.

كل الشركات أو المقاولات التي تملك فيها الجماعات المحلية أو الهيئات على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية الأسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.



ويخضع كل من الوالي والعامل لقضاء المجلس الجهوي في الحالات التي يعملان فيها باعتبارهما آمرين بالصرف لجماعة محلية….



5- المساهمة في مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ ميزانيات الجماعات المحلية و هيئاتها ".



وهكذا و من خلال جرد هذه المقتضيات يمكن تصنيف وظائف المجالس الجهوية للحسابات في الرقابة على المالية المحلية إلى وظائف قضائية (أولا) و وظائف إدارية (ثانيا).



أولا: الوظائف القضائية للمجالس الجهوية للحسابات.



سنقوم من خلالها استقراء الوظائف القضائية للمجالس الجهوية للحسابات و المتمثلة أساسا في الرقابة على مالية الجماعات المحلية و هيئاتها و التدقيق و البث في حساباتها ( أ )، و مراقبة التسيير بحكم الواقع ( ب )، ثم التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية ( ج ).



أ‌- مراقبة مالية الجماعات المحلية وهيئاتها و التدقيق و البث في حساباتها.



يقوم المجلس الجهوي في حدود دائرة اختصاصه بالتدقيق والبث في حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا حسابات المؤسسات العمومية و المقاولات التي تملك رأسمالها كليا الجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية الجماعات المحلية وهيئاتها والتي تتوفر على محاسب عمومي، ومن الملاحظ أن هذا الاختصاص هو نفسه الاختصاص الذي يتولى القيام به المجلس الأعلى للحسابات و إن كان على نطاق جغرافي اشمل، و بالتالي يلزم كل مركز محاسبي بالإدلاء بحساباته إلى المجلس الجهوي للحسابات أي أنه على المحاسبين العموميين المنتمين للهيئات والمؤسسات السالفة الذكر منها الجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك رأسمالها كليا الجماعات المحلية أو هيئاتها… تقديم حساباتهم سنويا إلى المجلس الجهوي للحسابات، كما يلزم محاسبو الأجهزة الأخرى الخاضعة لرقابة المجلس الجهوي بأن يقدموا سنويا إلى المجلس بيانا عن عمليات المداخل و النفقات و كذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التتنظمية الجاري بها العمل، و تتكون الحسابات من وثائق عامة و مستندات مثبتة، هذه الوثائق والمستندات المثبتة لعمليات المداخيل و النفقات التي قام بها المحاسب العمومي تقدم إلى المجلس من طرف هذا الأخير كل ثلاثة أشهر، أما بالنسبة للأجهزة الأخرى فيمكن للمجلس التدقيق في مستنداتها في عين المكان، أما بالنسبة لمسطرة التدقيق و البث في حسابات المحاسبين العموميين و التي ينظر المجلس خلالها في حسابات المحاسبين العموميين دون غيرهم فإن المستشار المقرر هو الذي يختص بالتدقيق و التحقيق في الحسابات المقدمة، بينما تتولى الهيئة المتكونة من الرئيس و وكيل الملك و 5 قضاة مستشارين البث في الأمر، ذلك أنه و بعد استلام كتابة الضبط لحسابات المحاسبيين العموميين تعلم المستشار المقرر المختص و الذي تكون اختصاصاته قد حددت خلال البرنامج السنوي، وهنا تبدأ عملية التحقيق و الملاحظة، و التي تعد مسطرة كتابية يشارك فيها كل الأطراف حيث أنه يلزم الأمر بالصرف وطلب المستشار المقرر بالإدلاء بكل الوثائق المطلوبة باستثناء السرية منها و حتى هذه الأخيرة وإن كان لابد من توفرها طلب المستشار المقرر عبر وكيل الملك الوزير المعني بإزالة طابع السرية عنها، و في حالة عدم إدلاء الآمر بالصرف بالوثائق المطلوبة يمكن أن تطبق عليه غرامة مالية أو غرامة تهديدية التي يختص وكيل الملك بتطبيقها.

و تخلص نتائج التحقيق إلى نتيجتين فإما أن تكشف مخالفة من قبل المستشار المقرر المختص بالملف و إما لا تكشف، و في حالة اكتشاف المخالفة من قبل المستشار والتي يمكن أن تكون ناتجة عن القابض أو المحاسب العمومي فان المستشار يضع تقريره بخصوص المخالفات لمكتشفة و يقوم مستشار أخر يسمى بالمستشار المراجع بمراجعة الملف و يسجل ملاحظاته و يحال الكل إلى وكيل الملك الذي يضع أيضا استنتاجاته وملاحظاته و ما إذا كان متفقا مع التقرير الذي يقدمه المستشار المراجع أم لا، غير أن استنتاجات وكيل الملك لا تكون ملزمة بالنسبة لهيئة الحكم هذه الأخيرة التي تتكون من 5 قضاة يتداولون حول كل مخالفة و من تم يناقشون التقرير ككل ليتم إصدار حكم تمهيدي في الموضوع و الذي يتم إبلاغه للمحاسب و هذا الأخير له أجل الجواب، هذا يحيلنا على الهامش الذي يعطى للمحاسب من أجل الدفاع عن نفسه، و بعد تلقي الهيئة لجواب المحاسب تقوم بإصدار الحكم النهائي والذي يمكن أن يتأرجح بين إبراء الذمة في حالة غياب المخالفات، أو وجود فائض وبالتالي يؤذن للمحاسب بأخذ الفائض وهذا الأمر نادرا جدا، أو وجود عجز و في هذه الحالة يتم الحكم على المحاسب بإرجاع المبالغ الناقصة خصوصا في حالة غياب تبريرات قانونية لوجود العجز. وإذا كان الحكم النهائي يبلغ إلى المحاسب العمومي فهو يبلغ أيضا إلى سلطة الوصاية و وكيل الملك و الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم و إلى الممثلين القانونيين للأجهزة العمومية و ذلك حسب مقتضيات المادة 130 من المدونة والتي تنص "يبلغ الحكم التمهيدي إلى المحاسب العمومي، ويبلغ الحكم النهائي بالإضافة إلى المحاسب العمومي إلى سلطة الوصاية و وكيل الملك و الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم و إلى الممثلين القانونيين للأجهزة العمومية المعنية". ويمكن للمعني بالأمر أن يطلب إعادة مراجعة القرار الصادر ضده حيث أنه يمكن للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه بصفة رسمية أو بواسطة وكيل طلب مراجعة القرارات النهائية الصادرة عن هيئة الحكم خصوصا في حالة انصرام الأجل المحدد للاستئناف حيث تنص المادة 135 من مدونة المحاكم المالية على أنه "في حالة اكتشاف عنصر جديد يحق للمحاسب العمومي أو ذوي حقوقه بصفة شخصية أو بواسطة وكيل، بعد انصرام الأجل المحدد للاستئناف طلب مراجعة الأحكام النهائية الصادرة عن المجلس الجهوي أمام هذه المحكمة. و يخول نفس الحق إلى وكيل الملك و إلى وزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم تطبيقا للنصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل و الوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم والممثل القانوني للجماعات المحلية أو الهيئات أو المؤسسات العمومية المعنية" كل هؤلاء يمكن أن يقوموا بطلب مراجعة القرار الصادر عن المجلس الجهوي للحسابات في حق المحاسب العمومي، هذا الطلب الذي يودع لدى كتابة الضبط بالمجلس الجهوي يجب أن يتضمن عرضا للوقائع و الوسائل التي يحتج بها الطالب و أن يكون مرفقا بنسخة من الحكم موضوع طلب المراجعة و بالتبريرات المستند إليها في العريضة و من جهته يبث المجلس الجهوي في الأمر بمقتضى حكم تنفيذي يبلغ إلى الأطراف المعنية التي يحدد لها أجل لتقديم توضيحاتها وتبريراتها. وبعد فحص الوسائل المقدمة و الاطلاع على مستنتجات النيابة العامة يبث المجلس الجهوي للحسابات في طلب مراجعة الحكم بينما يحدد أجل تقديم المراجعة في 10 سنوات ابتداء من تاريخ تبليغ حكم المجلس الجهوي، وفي حالة تقديمه لغير صالح المعني بالأمر يحدد هذا الأجل في 4 سنوات. هذا فيما يخص طلب مراجعة القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي للحسابات أما فيما يخص طلب الاستئناف فإن المادة 134 من المدونة خولت إمكانية طلب الاستئناف أمام المجلس إذ يحق للمحاسب العمومي أو لذوي حقوقه بصفة شخصية أو بواسطة وكيل و يخول نفس الأمر إلى وزير الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود الاختصاصات المخولة لهم قانونا أو الوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم و كذا وكيل الملك و الممثل القانوني للجماعة، كما يجب على طالب الاستئناف إيداع عريضة الاستئناف لدى كتابة الضبط بالمجلس الجهوي للحسابات خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبلغ الحكم النهائي مما يمكن القول معه أن المشرع حدد مدة استئناف الحكم و الطعن فيه أمام المجلس الأعلى للحسابات في مدة شهر.



ب‌- التسيير بحكم الواقع.



تعد هذه الوظيفة من الوظائف القضائية التي يباشرها المجلس الجهوي للحسابات و ذلك حسب المادة 131 من المدونة و التي جاء فيها "يتولى المجلس الجهوي في حدود دائرة اختصاصه التصريح بالتسيير بحكم الواقع حسب مدلول المادة 41 من هذا القانون" إذ أنه و من اختصاصات المجلس الجهوي في مجال الرقابة البعدية على مالية الجماعات المحلية و الهيئات التابعة لها مراقبة العمليات الحسابية بصفة عامة و من بينها العمليات المحاسبية التي يقوم بها المحاسب العمومي بحكم الواقع و الذي يعرف حسب المادة 41 من مدونة المحاكم المالية بكونه كل شخص يباشر من غير أن يؤهل لذلك من لدن السلطة المختصة لعمليات قبض الموارد و دفع النفقات وحيازة استعمال أموال أو قيم ملك أحد الأجهزة العمومية الخاضعة لرقابة المجلس، أو يقوم دون أن تكون له صفة محاسب عمومي بعمليات تتعلق بأموال أو قيم ليست في ملك الأجهزة المذكورة، و لكن المحاسبيين العموميين يكلفون وحدهم بانجازها وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، و بالتالي يكون محاسبا بحكم الواقع كل شخص قام بقبض مورد أو دفع نفقة أو حيازة أو استعمال أموال عمومية هو لا يتوفر على الصفة و الأهلية و الحق في ذلك و التي تعد من الشروط الأساسية التي يرتكز عليها المحاسب العمومي.

كما أن المجلس و عند مراقبته للتسيير بحكم الواقع يضفي على الشخص صفة المحاسب العمومي و يطالبه حينئذ بتقديم حساباته داخل أجل لا يقل عن شهرين، أما بالنسبة لمسطرة التحقيق و البث في تسيير المحاسب بحكم الواقع فإن المجلس و قبل بداية التدقيق و البث يصدر حكما يعتبر من خلاله الشخص الذي قام بأداء نفقة أو استخلاص مورد أو حيازة أموال عمومية محاسبا بحكم الواقع ليستطع بعد ذلك مطالبته بالحساب و الوثائق و كذا التبريرات المحاسبية و بالتالي تطبق عليه نفس المسطرة المطبقة على المحاسب العمومي العادي في حالة التحقيق و البث في حساباته، أما عن الجهة المسؤلة عن إثارة الموضوع فإن المادة 42 من المدونة نصت بصراحة على أنه "يحيل وكيل الملك إلى المجلس العمليات التي قد تشكل تسييرا بحكم الواقع إما من تلقاء نفسه أو بطلب من الوزير المكلف بالمالية أو الوزير المكلف بالمالية أو الوزراء المعنيين بالأمر أو الخازن العام للمملكة أو المحاسبيين العموميين، بصرف النظر عن حق المجلس في التصدي للنظر مباشرة، إسنادا إلى الإثباتات المنجزة بمناسبة التدقيق في الحسابات أو البيانات المحاسبية على الخصوص" مما يمكن القول معه بأن وكيل الملك بالمجلس الجهوي للحسابات يعتبر محركا للمراقبة على المحاسب بحكم الواقع، و تجدر الإشارة إلى أن العقوبات التي يمكن أن تفرض على المحاسب بحكم الواقع هي نفسها العقوبات التي تفرض على المحاسب العمومي العادي حيث يمكن أن يعاقب بإرجاع الأموال و المبالغ مع الفوائد عن كل سنة خصوصا إذا اكتشف أن هناك عجز، كما أنه قد يعاقب بغرامات مالية و الأكثر من ذلك يمكن أن يدان جنائيا حيث يمكن للمجلس رفع تقرير إلى وزير العدل ليتم معاقبة المحاسب جنائيا إذا ثبت أنه قام بالاختلاسات بصفة متعمدة.



ج: التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.



تمارس المجالس الجهوية للحسابات وظيفة التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون الماليةعلى كل موظف أو عون بأحد الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس سواء موظفي و أعوان الجماعات المحلية و هيئاتها، و موظفي المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية الجماعات المحلية و كذا الشركات التي تملك الجماعات المحلية كل أسهمها أو أغلبية الأسهم أو السلطة المرجحة في اتخاذ القرار، و كذا الوالي أو العامل في الحالات التي يعملان فيها باعتبارهما آمرين بالصرف لجماعة محلية أو هيئة، و قد نصت المادة 54 على أنه يخضع للعقوبات المنصوص عليها في هذه المادة كل آمر بالصرف و آمر بالصرف مساعد أو مسؤول و كذا كل عون يعمل تحت سلطتهم آو لحسابهم، و ذلك في حالة إحدى المخالفات التالية:

1. مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية و تصفيتها و الأمر بصرفها.

2. عدم احترام النصوص التتنظمية المتعلقة بالصفقات العمومية.

3. مخالفة النصوص التشريعية و التنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين و الأعوان.

4. مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية و تصفيتها و الأمر بصرفها.

5. مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عملا بالنصوص التشريعية الجاري بها العمل.

6. مخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس.

7. التقيد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز الاعتمادات.

8. إخفاء المستندات أو الإدلاء إلى المحاكم بأوراق مزورة أو غير صحيحة.

9. حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.

10. إلحاق الضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات، و ذلك بسبب الإخلال الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بممارستها أو من خلال الإغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامها الإشرافية.

كما أنه و من جهة أخرى نجد بأن المادة 55 تنص على "يخضع للعقوبات كل مراقب للالتزام بالنفقات و كل مراقب مالي و كذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرة مراقب الالتزام بالنفقات أو المراقب المالي أو يعمل لحسابهما، إذا لم يقوموا بالمراقبات التي هم ملزمون بالقيام بها طبقا للنصوص التشريعية و التنظيمية"، و إلى جانب هذا نجد بأن المادة 56 تنص على "يخضع لعقوبات المجلس الجهوي للحسابات كل محاسب عمومي و كذا كل موظف أو عون يوجد تحت امرأته أو عمل لحسابه إذا لم يمارسوا أثناء مزاولة مهامهم المراقبات التي هم ملزمون بالقيام بها طبقا للنصوص المطبقة عليهم و التي تهم و تتعلق:

بصفة الآمر بالصرف.

توفر الاعتمادات .

صحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة به.

تقديم الوثائق المثبتة التي يتعين عليهم طلبها قبل أداء النفقات".



و هكذا يمكن أن نستخلص بأن كل من الآمر بالصرف و كذا كل من المحاسب العمومي يعمل في المناصب السالفة الذكر يخضع للتأديب في حالة ما إذا أخل بالتزاماته أو تجاوزها باستثناء الحالة التي وردت في المادة 137 من المدونة و هي الحالة التي فيها المخالف لأمر كتابي صادر عن رئيسه التسلسلي أو عن شخص أخر مؤهل لإصدار هذا الأمر قبل ارتكاب المخالفة و هنا تنتقل المسؤولية أمام المجلس الجهوي إلى صاحب الأمر وهو الرئيس التسلسلي للموظف أو العون. أما عن المسطرة المتعلقة بمجال التأديب المتعلق بالميزانية فيتولاها وكيل الملك الذي يعتبر المدخل الأساسي لهذه القضية حيث يقوم بإحالة القضية على المجلس من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب من رئيس المجلس الجهوي للحسابات بناءا على تقارير أجهزة المراقبة و التفتيش الإدارية المقدمة من طرف وزير الداخلية أو وزير المالية، كما أن الشكايات التي يتوصل بها المجلس تكون سببا في متابعة المحاسب العمومي أو الآمر بالصرف في الهيئات و المؤسسات السالفة الذكر غير أن هذه الشكايات عليها أن تكون مدعمة بوثائق أو وقائع مادية، و في كل الأحوال يقوم بحملة التحقيق مستشار مقرر بينما يتابع سيرها وكيل الملك حملة التحقيق هذه و الأعمال المرتبطة بها تكون سرية للغاية ذلك أن القاضي ملزم بالسرية أثناء عملية التحقيق التي يمكن أن تصل إلى استدعاء الأطراف المعنية بالأمر أو التنقل إلى عين المكان كما يمكن إجراء خبرة، و جميع الأطراف ملزمة بالإدلاء بالوثائق و التقارير اللازمة من أجل سير عملية التحقيق، و يمكن أثناء عملية التحقيق للأطراف الاستعانة بمحام مقبول لدى المجلس الأعلى على أن يكون هذا المحامي ممارسا للمهنة لمدة لا تقل عن 10 سنوات. بعد عملية التحقيق التي يقوم بها المستشار المقرر و التي يمكن أن تمتد لأشهر يتم وضع التقرير و الذي يكون بحضور كاتب الضبط و المحامي هذا التقرير يتم تقديمه للنيابة العامة التي تتكلف بوضع ملتمساتها ليتم تبليغ الأمر إلى الشخص المتابع الذي بإمكانه تقديم مذكرة تقديمه للنيابة العامة التي تتكلف بوضع ملتمساتها ليتم تبليغ الأمر إلى الشخص المتابع الذي بإمكانه تقديم مذكرة تقدمية يجيب من خلالها عن التهم المنسوبة إليه، لترفع كل هذه الأمور من تقرير و ملتمسات النيابة العامة و كذا المذكرة التقدمية للمتابع إلى الهيئة المكونة من 5 قضاة من أجل المناقشة و التداول الذي يأخذ صبغة سرية بحيث و إذا كان كاتب الضبط و وكيل الملك يحضران المناقشة فإنهما يغيبان عن جلسة التداول التي تقتصر على حضور القضاة المستشارين الخمس فقط و الذين يعود إليهم أمر إصدار الحكم النهائي الذي يكون شفويا بالاستناد إلى كل ما تقدم، و يتم تبليغ هذا الحكم و إضافة المعني بالأمر إلى وكيل الملك و وزير المالية و وزير الداخلية و كذا الجهة التي رفعت القضية و الممثلين القانونيين للمعني، و يمكن أن تستأنف الأحكام الصادرة عن المجلس الجهوي للحسابات و المتعلقة بالتأديب في مجالي الميزانية و الشؤون المالية و يتم الاستئناف أمام الغرفة المختصة بالمجلس الأعلى للحسابات و في حالة الاستئناف يتوقف التنفيذ ما لم يكن الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل، كما أنه في حالة اكتشاف عنصر جديد في القضية يحق للمعني بالأمر بعد انصرام الآجل المحدد للاستئناف أن يطلب من المجلس الجهوي للحسابات مراجعة الحكم المتعلق به كما يخول نفس الحق إلى وكيل الملك من تلقاء نفسه أو بإيعاز من وزير الداخلية أو الوزير المكلف بالمالية.



ثانيا: الوظائف الإدارية للمجالس الجهوية للحسابات.



سنحاول من خلال هذا المبحث التطرق إلى الوظائف الإدارية التي يتولى المجلس الجهوي للحسابات القيام بها في مجال مراقبة المالية المحلية و التي تشمل الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية، و مراقبة التسيير، ثم مراقبة استخدام الأموال العمومية.



أ‌- مراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية.



في هذا الصدد نجد بأن المادة 143 من المدونة تنص على أنه إذا لم يصادق على الحساب الإداري لجماعة محلية أو هيئة من طرف المجلس التداولي المختص، و بصرف النظر عن المقتضيات المتعلقة بطلب دراسة جديدة، عرض وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الحساب الإداري الغير المصادق عليه على المجلس الجهوي للحسابات بصفة تلقائية أو بناءا على طلب من الآمر بالصرف المعني أو من طرف الرافض للحساب الإداري، و بناءا على الحساب الإداري المرفوض و المداولات المتعلقة بهذا الرفض و المستندات المثبتة المقدمة من طرف المحاسب العمومي المعني بالأمر، يصدر المجلس الجهوي رأيه حول شروط تنفيذ ميزانية الجماعة أو الهيئة المعنية داخل أجل أقصاه شهرين يبتدئ من تاريخ عرض الأمر عليه. و بناءا على القرارات التي يدلي بها المجلس الجهوي يقرر وزير الداخلية أو المكلف بالمالية أو الوالي أو العامل الإجراءات التي يجب أن تتبع في تنفيذ الميزانية و في حالة عدم الأخذ برأي المجلس الجهوي للحسابات من قبل هؤلاء ألزموا بتعليل قرارهم الغير المطابق لقرار المجلس الجهوي، و بخصوص مسطرة المراقبة في هذا المجال فإن الرئيس و بمجرد عرض القضية أمام أنظار المجلس يعين مستشارا مقررا للتحقيق في الملف داخل أجل شهر و يجوز للمستشار المعين أن يستعين بالقضاة الأخرين لإنجاز التحقيق كما له أن يقوم بكل التحريات و الاطلاع على كل الوثائق التي من شأنها أن تساهم في استجلاء الغموض و ذلك حسب المادة 145 من المدونة، و ينتج عن متابعة المستشار المقرر للقضية يتداول حولها المجلس ليصدر رأيا نهائيا في الموضوع.



ب‌- مراقبة التسيير.



لقد حددت المادة 147 من مدونة المحاكم المالية وظيفة المجلس الجهوي للحسابات في مراقبة التسيير حيث تنص على أنه تشمل مراقبة المجلس الجهوي جميع أوجه التسيير، و يقيم المجلس لهذا الغرض مدى تحقيق الأهداف المحددة و النتائج المحققة، و كذا تكاليف و شروط اقتناء و استخدام الوسائل المستعملة.

و تشمل مراقبة المجلس الجهوي كذلك مشروعية و صدق العمليات المنجزة، و كذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة و الأشغال المنجزة.

و يتأكد المجلس الجهوي من أن الأنظمة و الإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها و استخداماتها، و حماية ممتلكاتها و تسجيل كافة العمليات المنجزة.

و يمكن للمجلس الجهوي أن يقوم بمهام تقييم مشاريع الأجهزة الخاضعة لمراقبته قصد التأكد من مدى تحقيق الأهداف المحددة لكل مشروع انطلاقا مما تم انجازه و بالنظر إلى الوسائل المستعملة.

و هكذا فإن المجلس الجهوي للحسابات يقوم و وفق برنامجه السنوي بمراقبة تسيير الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا المقاولات المخولة الامتياز في مرفق عام محلي أو المعهود إليها بتسييره، و المقاولات و الشركات التي تملك فيها الجماعات المحلية أو هيئاتها و مؤسسات عمومية جهوية و جماعية على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر أغلبية الأسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار. و في جانب أخر تلزم كل هذه الأجهزة والهيئات بتقديم حساباتها و وثائقها المحاسبية سنويا إلى المجلس الجهوي و كذا تقديم محاضر هيئاتها التداولية مرفقة بنسخ من تقارير المحاسبين المعتمدين و المراقبين الداخليين و الخارجيين، و يقوم بهذه المراقبة القضاة المستشارين و هي و إلى جانب التسيير المالي تشمل أيضا التسيير الإداري و المالي و ما يرافقه من ترشيد في تدبير النفقات حيث يعمل المراقبون على تقييم طرق و ظروف استعمال الموارد البشرية و المادية إضافة إلى التأكد من مشروعية العمليات التي ينجزها كل من الآمر بالصرف و المحاسب العمومي، و تبدأ مسطرة المراقبة بعمل تهيئي يقوم به القضاة المستشارون قبل الانتقال إلى عين المكان و ذلك عن طريق عمل أولي يتجسد فيحصر المحاور أو الفروع التي سيتم مراقبتها بالاستعانة بالوثائق المطلوبة من الآمر بالصرف و المحاسب العمومي، بعدها يتم إعداد التقارير حول إبراز الملاحظات التي تم التوصل إليها هذه الملاحظات توجه إلى المعني بالأمر سواء أكان آمرا بالصرف أو محاسبا عموميا و هؤلاء لهم أجل شهرين من أجل الرد على ما نسب إليهم أو على الملاحظات و المداولات بشأن تسييرهم18، أما عن التقارير المعدة من قبل المستشار المراقب فإنها ترفع أمام أنظار الهيئة من أجل التداول، و أثناء عملية المداولة و في حالة ملاحظة عدم كفاية التحقيق المجرى من قبل المراقبين أو عدم وضوح نقطة معينة فإن رئيس المجلس الجهوي له حق توجيه رسالة إلى الأجهزة المعنية بالأمر مطالبا إياها إيضاح النقط المبهمة، و الأكثر من ذلك يمكن للهيئة استدعاء المسؤولين، بعد المداولة يتم إعداد تقرير نهائي يسمى بالتقرير الخاص يتداول بشأنه المجلس و هو يتضمن كل الملاحظات التي تم تسجيلها أثناء فترة المراقبة كما يمكن أن يشمل التوصيات التي يبديها المجلس حول المسألة، و يوجه التقرير إلى وزير الداخلية للجهات و العمالات و الأقاليم و كذا الجماعات الحضرية، و إلى الوالي بالنسبة للجماعات القروية و كذا إلى الوزير المكلف بالمالية أو الخازن بالجهة أو العمالة أو الإقليم و كل هؤلاء لهم حق إبداء الرأي حول التقرير الخاص في أجل لا يقل عن شهر واحد، و في جانب أخر يمكن لوزير الداخلية أو الوزير المكلف بالمالية تقديم طلب يتضمن إدراج قضية تتعلق بمراقبة تسيير جهاز من الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس في البرنامج السنوي للمجلس لتتم مراقبتها19.



ج: استخدام الأموال العمومية.



يتكلف المجلس الجهوي للحسابات بمراقبة الأموال العمومية التي تتلقاها الأجهزة للتأكد من استخدامها في الأهداف المتوخاة منها حيث أكدت المادة 154 على أنه "يراقب المجلس الجهوي استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات باستثناء تلك المذكورة في المادة 148، و الجمعيات و كل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من المساهمة في الرأسمال أو مساعدة كيفما كان شكلها من طرف جماعة محلية أو هيئة أو من جهاز أخر خاضع لرقابة المجلس الجهوي.

و تهدف هذه الرقابة إلى التأكد من أن استخدام الأموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الأهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة".

و هكذا يمكن القول بأن المجلس الجهوي للحسابات يمارس وظيفة الرقابة على الأموال و المساعدات العمومية ليضمن تحقيقها للأهداف التي صرفت من أجلها و بالتالي فإن هذه الأجهزة ملزمة بتقديم الحسابات المتعلقة باستخدام الأموال و المساعدات العمومية الأخرى التي تلقاها من الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس كالجماعات المحلية مثلا، حيث يعين رئيس المجلس المستشارين المقررين الذين سيتولون مراقبة استخدام الأموال العمومية التي تتلقاها الأجهزة المدرجة في برنامج أشغال المجلس و للمستشارين المقرر المعين للرقابة حق الاطلاع على كافة الوثائق و المستندات المثبتة و الكفيلة بتزويده بالمعلومات الضرورية حول تسيير الجهاز، و بعد المراقبة يعد المستشار المقرر تقريرا و تتبع نفس المسطرة التي تخضع لها مراقبة التسيير.



خاتمة:



هكذا يتبين لنا مدى أهمية الوظيفة الرقابية للمجالس الجهوية للحسابات التي تمارسها على المالية المحلية ، وذلك سعيا لتكريس مبدأ الرقابة البعدية الذي تتجه الدولة نحوه وكذا تحقيقا لعدة أهداف أهمها ضمان تنفيذ سليم للميزانية المحلية وحفاظا على المال العام المحلي والوطني ، ذلك الرقابة في ميدان المالية المحلية أولا وأخيرا تهدف لضمان احترام مبدأ المشروعية وتحسين مرودية التسيير المالي المحلي وكل ذلك من اجل خدمة الاستقلال المالي المحلي وحسن استعمال الموارد المالية وعدم تبذيرها وكذا من اجل التحقق من مدى تحقيق الأهداف التي سطرتها الجماعات المحلية وبالتالي ضمان الفعالية المالية المحلية في تحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية .



النسخة المرفقة







via MarocDroit موقع العلوم القانونية http://www.marocdroit.com/التسيير-الجماعي-والمحاكم-المالية_a3196.html