وجاهة تكريس الأجل المعقول في القانون الإداري التونسي


وجاهة تكريس الأجل المعقول في القانون الإداري التونسي

يعد الأجل المعقول  عنصرا رئيسيا  مكونا لمبدأ الإدارة الجيدة. هذا المصطلح الأخير الذي     
يعرف  بكونه جملة  من المبادئ الإجرائية القانونية و التي تتمثل في  معالجة   شؤون الأفراد بنزاهة و علي نحو ملائم و في أجل معقول، إضافة لتعليل  جل القرارات الإدارية و  تعميم مبدأ حق الدفاع في مختلف المواد الإدارية و أخيرا التعويض الفعلي عن الأضرار التي تسببت فيها التصرفات الإدارية سواء مادية أو قانونية.

و ضمن هذا السياق فإن تكريس مصطلح الأجل المعقول يمثل   ضمانا للحقوق الأساسية للأفراد  من التعسف الإداري من جهة و سببا رئيسيا لمساءلة  المرفق العام  بمعني قيام المسؤولية الإدارية، من جهة أخري. كما ستتعمق هذه الوجاهة مع تدعيم مبادئ النجاعة و الشفافية  الإدارية التي تسعي لتحسين الجودة الإدارية و ضمان حسن سير المرفق العام إلي جانب تخليص العمل الإداري من طابعه التعسفي و السلطوي ليكون بذلك القانون الإداري قانون المواطن لا قانون الإدارة، مما يؤدي لتجذ ير معني المواطنة الإدارية.

  غير أن تكريس  هذا المبدأ المكون للإدارة الجيدة  في الترسانة القانونية التونسية كان غائبا. غائبا  نظرا لعدم وجود قانون ينظم القواعد الإجرائية  الإدارية غير النزاعية         loi procédurale non contentieuse) (une و كذلك نظرا  لعدم تعميم مصطلح الأجل المعقول  في جميع القطاعات.

إن  بوادر تكريس  هذا الحق الإجرائي  في القانون الإداري التونسي  كان مع  فقه قضاء المحكمة الإدارية التي اعتبرت الأجل المعقول مبدأ  عام  في القانون الإداري، مما يجسد  الدور الخلاق للقاضي الإداري التونسي  الذي ما فتيء يؤسس لقواعد قانونية  ملزمة و مقيدة لسلطة الإدارية لغاية حماية حقوق الأفراد من جهة و تدعيم  لمبدأ الشرعية.

و تكمن وجاهة هذا التكريس الفقه قضائي في  تدعيم مبدأ حق الدفاع  الذي يعد من مقومات دولة القانون و الدولة المدنية،  حيث أن  القاضي الإداري  أقر في العديد من المواقف بضرورة تمكين  الموظف أو المنظور الإداري  من أجل معقول لإعداد ملف الدفاع من جهة  و لدفاع عن نفسه من جهة أخري و ذلك لإقامة موازنة بين ضمان حقوق المعني بالأمر و ضمان حسن سير المرفق.

و عليه  و في ظل غياب تنصيص تشريعي،  فإن وجاهة تجسيد  الأجل المعقول  في إطار حق الدفاع،  تكمن في عقلنه العمل الإداري من خلال تجنب  الأعمال الإدارية الإستباقية  أو المتسرعة  المنتهكة للحقوق الأفراد.   

و ستتدعم  وجاهة  هذا التكريس الفقه قضائي  مع  الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المنظم لصفقات العمومية،  حيث نص فصله  السادس علي " إعلام المشاركين في آجال معقولة وتعميم الإجابات والتوضيحات المتصلة بالملاحظات والاستفسارات التي يطلبها المترشحون في أجل أدناه عشرة (10) أيام قبل انتهاء أجل تقديم العروض.[1]"   غير أن هذا التكريس الترتيبي للأجل المعقول  يعد منقوصا  نظرا  لاقتصاره علي مجال الصفقات العمومية  و بالتالي تهميش بقية المجالات التي تجسد علاقة الأفراد بالمرفق العام.

 أما بالنسبة  لتكريس الدستوري للأجل المعقول فإن هذا الأخير جاء لمزيد تدعيم القواعد الإجرائية النزاعية لا الإدارية غير النزاعية، بعمني تمكين الأفراد من محاكمة عادلة و في أجل معقول.  و ضمن هذا السياق،  ألا يمكن أن يشكل هذا التكريس الدستوري  للأجل المعقول مجالا فاعلا لتعميمه علي القواعد  الإجرائية غير النزاعية ، نظرا  لتعريف القانون الإداري من جهة باعتباره مجموعة من القواعد القانونية التي تهم التنظيم و النشاط و النزاع الإداري،  و كذلك نظرا لاعتبار  الأجل المعقول مبدأ عام  في القانون ؟

وتتجلي أهمية   الأجل العقول  نظرا لدوره الاقتصادي الهام باعتباره معطي رئيسي لاستقطاب و للتشجيع علي  الاستثمار المحلي و الدولي، الأمر الذي يجعل من تكريسه دستوريا أو تشريعيا  حاجة ماسة لإرساء منظومة قانونية ملائمة لتجنب مظاهر البيروقراطية و التعطيل الإداري و التخفيف من العبء الإداري الذي من شأنه أن  يقلص الاستثمارات و الحد من الرقي و التقدم الاقتصادي.

ففي العديد من الدول المتقدمة و خاصة منها الدول الأوروبية  سعت لتكريس و تجسيد مصطلح الأجل المعقول. فعلي سبيل المثال القانون الإداري الهولندي قد فرض علي الإدارات العمومية أخذ قراراتها في أجل معقول لا يتجاوز الشهر مع إمكانية تجاوزه في حالات استثنائية بأسبوعين فقط.   كما إن بعض الدول الأخرى دعمت الأجل المعقول بقاعدة " سكوت الإدارة خلال أجل معين يعد قبولا ضمنيا" مما يجعل من الإدارة مطالبة بالرد في أجل معقول علي جميع المطالب المقدم إليها.

و تجدر الإشارة أخيرا   ، إلي أن  المنظومات القانونية  لدول النامية  مطالبة  بإعادة هيكلة مفهوم القانون الإداري  من جهة  و تدعيم جانبه الديمقراطي لضمان اساهم  أوسع و ملائم للمواطنين من جهة و عقلنة العمل الإداري  من جهة أخري لتجسيد مفهوم الحكومة الرشيدة.
 
   
 
[1] الفص السادس من الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المنظم لصفقات العمومية  http://ift.tt/2aOhNIh



via MarocDroit - موقع العلوم القانونية http://ift.tt/2aC2Zt2