مناقشة أطروحة في موضوع حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري- دراسة على ضوء قانون حماية المستهلك رقم 31.08-، تحت إشراف الدكتورة جميلة لعماري للباحثة سناء عبوز

تقرير بحث المناقشة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص
ماستر العقار والتنمية الفوج الثالث
جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة
بسم الله الرحمان الرحيم
والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى اله وصحبه أجمعين،
تم بحمد الله و فضله مناقشة بحث موضوع رسالة الماستر في القانون الخاص ماستر العقار و التنمية، تقدمت به الطالبة الباحثة سناء عبوز تحت عنوان: حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري- دراسة على ضوء قانون حماية المستهلك رقم 31.08-
تحت إشراف الدكتورة جميلة لعماري
إذ تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الأجلاء أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
الدكتورة جميلة لعماري رئيسا ومشرفا
الدكتور محمد غربي عضوا
الدكتورة سعاد حميدي عضوا
الدكتور مصطفى الحسيني عضوا
و قد قررت اللجنة العلمية قبول عمل الطالبة مع التنويه بالبحث موضوع الرسالة ومنحه ميزة حسن جدا.
تقرير البحث:
يرتبط موضوع رسالتي و المعنون بـ*حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري – دراسة على ضوء قانون حماية المستهلك رقم 08.31-* بحاجة الفرد إلى الانتفاع بأحد الحقوق الأساسية للإنسان والمنصوص عليها في دستور المملكة الحالي، ألا وهو الحق في السكن اللائق الذي يؤمن للفرد كرامته.
وتتجاذب ممارسة هذا الحق عدة معطيات من أهمها المعطى الاقتصادي الذي يهدف إلى انجاز وحدات سكنية من طرف المؤسسات المعنية سواء في القطاع الخاص أو العام بتكلفة تناسب القدرة الشرائية للمواطن أما المعطى الاجتماعي فيسعى إلى ممارسة المواطن حقه في سكن لائق مع استقراره فيه.
وحين نقول المؤسسات المعنية فإننا نقصد بطبيعة الحال مؤسسات الإنعاش العقاري التي أوكلت إليها الدولة في إطار التخفيف من الأزمة السكنية وعبر اتفاقيات شراكة، مهمة انجاز مشاريع سكنية توفر السكن اللائق للمواطن المغربي.
إذن فأهمية موضوع الدراسة تلامس الواقع المغربي المعاش، وبالأخص الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي الراغب في اقتناء سكن خاص به، حيث أن تملك هذا الأخير يتم بمجموعة من الطرق، إلا أن الطريقة الأكثر شيوعا هي التملك عن طريق الاقتناء أي اقتناء العقار من مؤسسات الإنعاش العقاري.
و قد عرف عقد البيع العقاري تطورا ملحوظا، حيث ظهر البائع المهني بدل البائع البسيط ذلك أن عمليات البناء أصبحت تعرف نوعا من التعقيد في ظل تطور السكن الجماعي وأهمية البرامج السكنية المعتمدة من قبل السلطات العمومية، فأصبح عقد البيع يجمع بين شخصين غير متكافئين في المراكز القانونية، أحدهما البائع المهني (المنعش العقاري) الذي يقوم ببيع عقارات يشيدها على مراحل مع تحصيل جزء من الثمن حسب تقدم الأشغال، وآخر غير مهني ( المستهلك مقتني العقار) المقبل على الشراء الذي يكون أمله في امتلاك سكن يدفع ثمنه بالتقسيط.
إذن ولما كان البائع المنعش العقاري في مركز قوة اقتصادية أقوى من المشتري المستهلك الذي يتعاقد معه بشأن العقار الراغب في شرائه، فقد أدى ذلك إلى إفساح المجال لإملاء شروطه على الطرف الضعيف وحرمان هذا الأخير من التفاوض على العقد لاحتياجه لذلك العقار بغية استعماله للسكن أو غيره.
ومن البداهة، إن عدم المساواة بين طرفي العقد المنعش العقاري والمشتري المستهلك، ينتج عنه خلل في التوازن العقدي وظهور عقود عقارية تحتوي على شروط تعسفية، الأمر الذي أضحى يهدد مصالح المستهلك العقاري وحقوقه، لا سيما في ظل معاملات عقارية كما سبق القول تتميز بالتعقيد وعدم الوضوح الصريح في مقابل فئة عريضة من المشترين ليست لهم الخبرة ولا القدرة الكافية للإلمام بظروف التعاقد وملابساته، الشيء الذي أسس لأرضية خصبة للممارسات التعسفية وغير المشروعة والتصرفات غير القانونية من قبل الأطراف القوية سواء في عقود العقارية عامة أو في عقد بيع العقار في طور الانجاز بشكل خاص، خاصة وان هذه الأطراف أي المنعشون العقاريون يغيب عنهم القانون المنظم لكل ممارساتهم وعملياتهم العقارية وغياب الردع التام في حالة ممارستهم لخروقات غير قانونية، رغم أن قانون الالتزامات والعقود يبقى واضحا في شأن ضبط التزاماتهم إلى جانب القوانين الأخرى المنظمة للعقار و المؤطرة للتعمير.
إضافة إلى تفشي ظاهرة المضاربة العقارية والإنعاش السري شجعت بعض المتدخلين في هذا المجال على استغلال مناخ الحرية الاقتصادية لتحقيق الكسب السريع والربح الوفير، منتهجين في ذلك أساليب الغش والاحتيال والضرب بمصالح المشتري عرض الحائط، الأمر الذي لابد من مقاومته تشريعيا واجتماعيا بهدف حماية هذا الأخير الذي ليس له القدرة على التمييز بين من يخدعه ومن يرضيه
و بما أن المبادئ التقليدية العامة والقائمة على مبدأ سلطان الإرادة أبانت عن عدم قدرتها على تجنيب الحيف الذي يتعرض له المستهلك، ولم تعد كافية في تحقيق الهدف المتوخى منها ألا وهو حماية المستهلك، فقد اضطرت جل التشريعات إلى إصدار قوانين حماية المستهلك بقواعد خاصة بهدف حماية هذا الأخير ولم يخرج المشرع المغربي عن هذا حيث قام بإصدار قانون حماية المستهلك رقم 08-31 ، والذي نص على مجموعة من المبادئ الأساسية في ديباجته باعتباره إطارا مكملا للمنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك، وأهم مبدأ يخدم مصلحة المستهلك العقاري ويحميه من غش وتعسف المنعش العقاري، هو الحق في إعلام المستهلكين وحماية حقوقهم الاقتصادية وحقهم في التمثيلية والتراجع وفي الاختيار والإصغاء إليهم.
لقد كان الدافع الرئيسي والأهم لاختياري هذا الموضوع، كون القطاع غير منظم قانونيا وبالتالي سيكون مرتعا خصبا لتنامي الممارسات غير القانونية التي تثقل كاهل المستهلك مقتني العقار خاصة تلك التي يمكن أن نلمسها من خلال البيع المستقبلي (بيع العقار في طور الانجاز) الأكثر انتشارا في المجال العقاري، والتي تؤدي إلى ضياع حقوق المستهلك، الأمر الذي دفعني إلى ربط حماية المستهلك بالعمليات التي يقوم بها المنعش العقاري سواء خلال عملية التسويق أو عملية الاقتراض المرتبطة بالبيع الذي يبرمه هذا الأخير . إضافة إلى التنوع والتعدد في النصوص القانونية المؤطرة للحماية القانونية للمستهلك ففي الوقت الذي يخضع فيه للقواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، قد يخضع أيضا لقواعد خاصة، مما يفرض الرجوع إلى أكثر من قانون لمعرفة المظاهر الحمائية للمستهلك.
ودافع آخر لا يقل أهمية، وهو ظهور إرادة سياسية في إقرار تدابير فعالة ومناسبة لحماية المستهلك في المجال العقاري و إصلاح العلاقة التي تربط المستهلك بالمنعش العقاري، وخاصة في البيع المستقبلي، كمشروع قانون رقم 12-107 المتمم والمغير لقانون 00-44 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز، المشروع الذي سيغني الصرح القانوني في هذا المجال.
وموضوع حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري يطرح بدوره إشكالية أساسية تتعلق بمدى نجاح قانون رقم 08-31 في تكملة المقتضيات التشريعية الأخرى في إقرار تدابير فعالة ومناسبة لحماية المستهلك في المجال العقاري، على النحو الذي يراعي مصلحة هذا الأخير الطرف الضعيف في علاقته التعاقدية مع المنعش العقاري وحفظ المصلحة الاقتصادية أيضا مؤسسة الإنعاش العقاري لتقوم بدورها الهادف إلى توفير السكن والحد من الأزمة الخانقة التي يعرفها المغرب؟؟.
ويتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات أهمها:
وقد أجبت عن هذه الإشكالية باعتماد المنهج الاستقرائي والتحليلي، وذلك باستقراء مختلف النصوص
القانونية العامة وقانون حماية المستهلك رقم 08-31 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك بقواعده الخاصة، وتحليلها لاستجلاء الغموض الذي قد يكتنفها، كلما لزم الأمر لمعرفة مدى الحماية القانونية التي توفرها للمستهلك مقتني العقار وفق منهج نقدي.
و قد قسمت الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: تناولت فيه الإطار العام للمستهلك والمنعش العقاري حيث تعرضت فيه إلى شقين، الشق الأول تم فيه تحديد الشخص المشمول بالحماية القانونية ألا وهو المستهلك وشروط اكتساب صفته وكذا الحماية المؤسساتية التي خولها له المشرع لهذا الطرف الضعيف في العلاقة الاستهلاكية من قانون حماية المستهلك رقم 08.31، أما الشق الثاني فتعلق الأمر بتحديد الإطار المفاهيمي لقطاع الإنعاش العقاري وطبيعة العمليات التي يقوم بها مختلف القائمون على هذا القطاع مع التطرق لمختلف القوانين المؤطرة للعقار والتعمير والاستثمار والتي تحل نسبيا محل النصوص القانونية التي تعرف غيابا عن المنظومة القانونية بالمغرب، مع تحديد نوعية السكن المقدم للمستهلك.
وفي يخص الفصل الثاني: فقد عالجت فيه مختلف المظاهر الحمائية للمستهلك العقاري خاصة في عقود بيع العقار في طور الانجاز حيث تعرضت فيه أيضا إلى مقارنة الضمانات الحمائية ما بين قانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز ومشروع القانون المغير والمتمم لهذا الأخير رقم 107.12. مع التطرق إلى الضمانات الجديدة والتي خص بها قانون حماية المستهلك رقم 08.31 المقترض المستهلك والتي أخذت الحيز الأكبر من الحماية في هذا القانون.7
وتجدر الإشارة إلى أن من بين المبررات التي جعلتني اعتمد هذا التقسيم هو أن قانون حماية المستهلك انبثق من القواعد العامة فهو ينظم عقود معينة لها خصوصيتها ومن بينها العقود الاستهلاكية بصفة عامة، لذلك فقد اضطررت إلى الحديث أولا عن المقتضيات الحمائية العامة والحماية المؤسساتية لتوضيح الصورة الحمائية للمستهلك ثم بعد ذلك المظاهر الحمائية الخاصة من خلال قانون حماية المستهلك رقم 08.31.
واختتمت رسالتي بخلاصة مركزة، أهم ما تم التوصل إليه فيها ورغم القفزة النوعية التي شكلها هذا القانون إلا انه يبقى هذا القانون أيضا غير قادر على إقرار الحماية المنشودة للمستهلك، حيث بين الواقع العملي انه غالبا ما يتم الرجوع إلى القواعد العامة لضمان الحماية الحقة للمستهلك. إضافة إلى أن هذا الأخير يجب أن تكون له الجرأة من أجل تفعيل حقوقه، لان في ظل قانون حماية المستهلك رقم 08-31 بقيت المبادرة للمستهلك للمطالبة بحقوقه والدفاع عنها، لكون أن من بين أهداف هذا القانون الإصغاء إليه، كما يتعين على القضاء إصدار اجتهادات قضائية جريئة من شأنها تفعيل مقتضيات قانون 08-31 على ارض الواقع.
هذا من جهة المستهلك العقاري، أما بالنسبة لقطاع الإنعاش العقاري وباختصار، فعدم تنظيم المهنة بشكل مباشر يقلل من فعالية الحماية المرجوة، إضافة إلى أن جميع العقود التي يتم إبرامها بين المنعش العقاري والمستهلك مقتني العقاري أو ما يطلق عليه عقود الإنعاش العقاري والتي لم تنظم قانونيا بعد، هي عقود مازالت في دائرة نقاش فقهي وقضائي من حيث بطلانها، لما تتسم به من طبيعة إذعانية وشروط أحادية يقبل بها هذا الأخير رغما وحاجة إلى الحصول على ملكية مسكن يؤمن له استقراره وبالتالي فهي عقود غير صحيحة.
لذا يمكن اقتراح و أيضا تبني مجموعة من التوصيات المتفق عليها من أغلب الباحثين وهي كالتالي:
وخلاصة، وبكل بساطة اعتقد أن الطريق مازال طويلا للوصول إلى إقرار الحماية المنشودة للمستهلك
الطرف الضعيف، رغم التدخل التشريعي الآني، إذ أن الواقع اثبت وجود هوة كبيرة بينه وبين القانون وخير دليل على ذلك وجود مثل هذه العقود النموذجية الإذعانية بكثرة سواء في البيع العقاري أو الاقتراض، وبالتالي أصبحت الضرورة ملحة لإعادة النظر في النصوص المتعلقة بحماية المستهلك وتعديلها.
ماستر العقار والتنمية الفوج الثالث
جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة
بسم الله الرحمان الرحيم
والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وعلى اله وصحبه أجمعين،
تم بحمد الله و فضله مناقشة بحث موضوع رسالة الماستر في القانون الخاص ماستر العقار و التنمية، تقدمت به الطالبة الباحثة سناء عبوز تحت عنوان: حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري- دراسة على ضوء قانون حماية المستهلك رقم 31.08-
تحت إشراف الدكتورة جميلة لعماري
إذ تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الأجلاء أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
الدكتورة جميلة لعماري رئيسا ومشرفا
الدكتور محمد غربي عضوا
الدكتورة سعاد حميدي عضوا
الدكتور مصطفى الحسيني عضوا
و قد قررت اللجنة العلمية قبول عمل الطالبة مع التنويه بالبحث موضوع الرسالة ومنحه ميزة حسن جدا.
تقرير البحث:
يرتبط موضوع رسالتي و المعنون بـ*حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري – دراسة على ضوء قانون حماية المستهلك رقم 08.31-* بحاجة الفرد إلى الانتفاع بأحد الحقوق الأساسية للإنسان والمنصوص عليها في دستور المملكة الحالي، ألا وهو الحق في السكن اللائق الذي يؤمن للفرد كرامته.
وتتجاذب ممارسة هذا الحق عدة معطيات من أهمها المعطى الاقتصادي الذي يهدف إلى انجاز وحدات سكنية من طرف المؤسسات المعنية سواء في القطاع الخاص أو العام بتكلفة تناسب القدرة الشرائية للمواطن أما المعطى الاجتماعي فيسعى إلى ممارسة المواطن حقه في سكن لائق مع استقراره فيه.
وحين نقول المؤسسات المعنية فإننا نقصد بطبيعة الحال مؤسسات الإنعاش العقاري التي أوكلت إليها الدولة في إطار التخفيف من الأزمة السكنية وعبر اتفاقيات شراكة، مهمة انجاز مشاريع سكنية توفر السكن اللائق للمواطن المغربي.
إذن فأهمية موضوع الدراسة تلامس الواقع المغربي المعاش، وبالأخص الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي الراغب في اقتناء سكن خاص به، حيث أن تملك هذا الأخير يتم بمجموعة من الطرق، إلا أن الطريقة الأكثر شيوعا هي التملك عن طريق الاقتناء أي اقتناء العقار من مؤسسات الإنعاش العقاري.
و قد عرف عقد البيع العقاري تطورا ملحوظا، حيث ظهر البائع المهني بدل البائع البسيط ذلك أن عمليات البناء أصبحت تعرف نوعا من التعقيد في ظل تطور السكن الجماعي وأهمية البرامج السكنية المعتمدة من قبل السلطات العمومية، فأصبح عقد البيع يجمع بين شخصين غير متكافئين في المراكز القانونية، أحدهما البائع المهني (المنعش العقاري) الذي يقوم ببيع عقارات يشيدها على مراحل مع تحصيل جزء من الثمن حسب تقدم الأشغال، وآخر غير مهني ( المستهلك مقتني العقار) المقبل على الشراء الذي يكون أمله في امتلاك سكن يدفع ثمنه بالتقسيط.
إذن ولما كان البائع المنعش العقاري في مركز قوة اقتصادية أقوى من المشتري المستهلك الذي يتعاقد معه بشأن العقار الراغب في شرائه، فقد أدى ذلك إلى إفساح المجال لإملاء شروطه على الطرف الضعيف وحرمان هذا الأخير من التفاوض على العقد لاحتياجه لذلك العقار بغية استعماله للسكن أو غيره.
ومن البداهة، إن عدم المساواة بين طرفي العقد المنعش العقاري والمشتري المستهلك، ينتج عنه خلل في التوازن العقدي وظهور عقود عقارية تحتوي على شروط تعسفية، الأمر الذي أضحى يهدد مصالح المستهلك العقاري وحقوقه، لا سيما في ظل معاملات عقارية كما سبق القول تتميز بالتعقيد وعدم الوضوح الصريح في مقابل فئة عريضة من المشترين ليست لهم الخبرة ولا القدرة الكافية للإلمام بظروف التعاقد وملابساته، الشيء الذي أسس لأرضية خصبة للممارسات التعسفية وغير المشروعة والتصرفات غير القانونية من قبل الأطراف القوية سواء في عقود العقارية عامة أو في عقد بيع العقار في طور الانجاز بشكل خاص، خاصة وان هذه الأطراف أي المنعشون العقاريون يغيب عنهم القانون المنظم لكل ممارساتهم وعملياتهم العقارية وغياب الردع التام في حالة ممارستهم لخروقات غير قانونية، رغم أن قانون الالتزامات والعقود يبقى واضحا في شأن ضبط التزاماتهم إلى جانب القوانين الأخرى المنظمة للعقار و المؤطرة للتعمير.
إضافة إلى تفشي ظاهرة المضاربة العقارية والإنعاش السري شجعت بعض المتدخلين في هذا المجال على استغلال مناخ الحرية الاقتصادية لتحقيق الكسب السريع والربح الوفير، منتهجين في ذلك أساليب الغش والاحتيال والضرب بمصالح المشتري عرض الحائط، الأمر الذي لابد من مقاومته تشريعيا واجتماعيا بهدف حماية هذا الأخير الذي ليس له القدرة على التمييز بين من يخدعه ومن يرضيه
و بما أن المبادئ التقليدية العامة والقائمة على مبدأ سلطان الإرادة أبانت عن عدم قدرتها على تجنيب الحيف الذي يتعرض له المستهلك، ولم تعد كافية في تحقيق الهدف المتوخى منها ألا وهو حماية المستهلك، فقد اضطرت جل التشريعات إلى إصدار قوانين حماية المستهلك بقواعد خاصة بهدف حماية هذا الأخير ولم يخرج المشرع المغربي عن هذا حيث قام بإصدار قانون حماية المستهلك رقم 08-31 ، والذي نص على مجموعة من المبادئ الأساسية في ديباجته باعتباره إطارا مكملا للمنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك، وأهم مبدأ يخدم مصلحة المستهلك العقاري ويحميه من غش وتعسف المنعش العقاري، هو الحق في إعلام المستهلكين وحماية حقوقهم الاقتصادية وحقهم في التمثيلية والتراجع وفي الاختيار والإصغاء إليهم.
لقد كان الدافع الرئيسي والأهم لاختياري هذا الموضوع، كون القطاع غير منظم قانونيا وبالتالي سيكون مرتعا خصبا لتنامي الممارسات غير القانونية التي تثقل كاهل المستهلك مقتني العقار خاصة تلك التي يمكن أن نلمسها من خلال البيع المستقبلي (بيع العقار في طور الانجاز) الأكثر انتشارا في المجال العقاري، والتي تؤدي إلى ضياع حقوق المستهلك، الأمر الذي دفعني إلى ربط حماية المستهلك بالعمليات التي يقوم بها المنعش العقاري سواء خلال عملية التسويق أو عملية الاقتراض المرتبطة بالبيع الذي يبرمه هذا الأخير . إضافة إلى التنوع والتعدد في النصوص القانونية المؤطرة للحماية القانونية للمستهلك ففي الوقت الذي يخضع فيه للقواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، قد يخضع أيضا لقواعد خاصة، مما يفرض الرجوع إلى أكثر من قانون لمعرفة المظاهر الحمائية للمستهلك.
ودافع آخر لا يقل أهمية، وهو ظهور إرادة سياسية في إقرار تدابير فعالة ومناسبة لحماية المستهلك في المجال العقاري و إصلاح العلاقة التي تربط المستهلك بالمنعش العقاري، وخاصة في البيع المستقبلي، كمشروع قانون رقم 12-107 المتمم والمغير لقانون 00-44 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز، المشروع الذي سيغني الصرح القانوني في هذا المجال.
وموضوع حماية المستهلك في عمليات الإنعاش العقاري يطرح بدوره إشكالية أساسية تتعلق بمدى نجاح قانون رقم 08-31 في تكملة المقتضيات التشريعية الأخرى في إقرار تدابير فعالة ومناسبة لحماية المستهلك في المجال العقاري، على النحو الذي يراعي مصلحة هذا الأخير الطرف الضعيف في علاقته التعاقدية مع المنعش العقاري وحفظ المصلحة الاقتصادية أيضا مؤسسة الإنعاش العقاري لتقوم بدورها الهادف إلى توفير السكن والحد من الأزمة الخانقة التي يعرفها المغرب؟؟.
ويتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات أهمها:
- ما هي التدابير و الإجراءات التي اتخذها المشرع من خلال هذا القانون لإعادة التوازن العقدي بين المستهلك والمنعش العقاري؟
- ما هي الضمانات التي خولها المشرع لحماية المستهلك العقاري سواء أثناء إبرام عقد البيع أو عقد القرض العقاري لتمويل مسكنه؟
وقد أجبت عن هذه الإشكالية باعتماد المنهج الاستقرائي والتحليلي، وذلك باستقراء مختلف النصوص
القانونية العامة وقانون حماية المستهلك رقم 08-31 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك بقواعده الخاصة، وتحليلها لاستجلاء الغموض الذي قد يكتنفها، كلما لزم الأمر لمعرفة مدى الحماية القانونية التي توفرها للمستهلك مقتني العقار وفق منهج نقدي.
و قد قسمت الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: تناولت فيه الإطار العام للمستهلك والمنعش العقاري حيث تعرضت فيه إلى شقين، الشق الأول تم فيه تحديد الشخص المشمول بالحماية القانونية ألا وهو المستهلك وشروط اكتساب صفته وكذا الحماية المؤسساتية التي خولها له المشرع لهذا الطرف الضعيف في العلاقة الاستهلاكية من قانون حماية المستهلك رقم 08.31، أما الشق الثاني فتعلق الأمر بتحديد الإطار المفاهيمي لقطاع الإنعاش العقاري وطبيعة العمليات التي يقوم بها مختلف القائمون على هذا القطاع مع التطرق لمختلف القوانين المؤطرة للعقار والتعمير والاستثمار والتي تحل نسبيا محل النصوص القانونية التي تعرف غيابا عن المنظومة القانونية بالمغرب، مع تحديد نوعية السكن المقدم للمستهلك.
وفي يخص الفصل الثاني: فقد عالجت فيه مختلف المظاهر الحمائية للمستهلك العقاري خاصة في عقود بيع العقار في طور الانجاز حيث تعرضت فيه أيضا إلى مقارنة الضمانات الحمائية ما بين قانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز ومشروع القانون المغير والمتمم لهذا الأخير رقم 107.12. مع التطرق إلى الضمانات الجديدة والتي خص بها قانون حماية المستهلك رقم 08.31 المقترض المستهلك والتي أخذت الحيز الأكبر من الحماية في هذا القانون.7
وتجدر الإشارة إلى أن من بين المبررات التي جعلتني اعتمد هذا التقسيم هو أن قانون حماية المستهلك انبثق من القواعد العامة فهو ينظم عقود معينة لها خصوصيتها ومن بينها العقود الاستهلاكية بصفة عامة، لذلك فقد اضطررت إلى الحديث أولا عن المقتضيات الحمائية العامة والحماية المؤسساتية لتوضيح الصورة الحمائية للمستهلك ثم بعد ذلك المظاهر الحمائية الخاصة من خلال قانون حماية المستهلك رقم 08.31.
واختتمت رسالتي بخلاصة مركزة، أهم ما تم التوصل إليه فيها ورغم القفزة النوعية التي شكلها هذا القانون إلا انه يبقى هذا القانون أيضا غير قادر على إقرار الحماية المنشودة للمستهلك، حيث بين الواقع العملي انه غالبا ما يتم الرجوع إلى القواعد العامة لضمان الحماية الحقة للمستهلك. إضافة إلى أن هذا الأخير يجب أن تكون له الجرأة من أجل تفعيل حقوقه، لان في ظل قانون حماية المستهلك رقم 08-31 بقيت المبادرة للمستهلك للمطالبة بحقوقه والدفاع عنها، لكون أن من بين أهداف هذا القانون الإصغاء إليه، كما يتعين على القضاء إصدار اجتهادات قضائية جريئة من شأنها تفعيل مقتضيات قانون 08-31 على ارض الواقع.
هذا من جهة المستهلك العقاري، أما بالنسبة لقطاع الإنعاش العقاري وباختصار، فعدم تنظيم المهنة بشكل مباشر يقلل من فعالية الحماية المرجوة، إضافة إلى أن جميع العقود التي يتم إبرامها بين المنعش العقاري والمستهلك مقتني العقاري أو ما يطلق عليه عقود الإنعاش العقاري والتي لم تنظم قانونيا بعد، هي عقود مازالت في دائرة نقاش فقهي وقضائي من حيث بطلانها، لما تتسم به من طبيعة إذعانية وشروط أحادية يقبل بها هذا الأخير رغما وحاجة إلى الحصول على ملكية مسكن يؤمن له استقراره وبالتالي فهي عقود غير صحيحة.
لذا يمكن اقتراح و أيضا تبني مجموعة من التوصيات المتفق عليها من أغلب الباحثين وهي كالتالي:
- تحديد إطار قانوني ينظم مهنة الإنعاش العقاري، ويضبط مختلف تحركات المنعشين العقاريين ومراقبة أعمالهم.
- إقرار الجزاء الجنائي في حق المنعش العقاري الذي يثبت في حقه خرق مقتضيات قانون البيع في طور الانجاز بالجزاء الجنائي، وعدم تنفيذ التزاماتهم التي يفرضها القانون.
- خلق تدابير قانونية تنظيمية للقضاء على المضاربة العقارية في مجال تسويق العقارات، لاسيما ظاهرة عدم التصريح بالثمن الحقيقي وتسديد جزء من الثمن تحت الطاولة الذي يعرف بـ " النوار le noir "، وذلك بهدف التهرب الضريبي والزيادة في الأرباح بشكل غير مشروع، الظاهرة التي أصبحت تهدد حق مقتني العقار في الحصول عليه.
- مراقبة إعلانات المنعشين العقاريين ومنع كل الإشهارات التي تخل بالنظام العام والأخلاق.
- إصلاح مؤسسة ضمان العقار من طرف المنعش العقاري لتتلاءم مع عقود البيع الجديدة، كضمان العيوب الخفية الذي لا يثير أي إشكال بالنسبة للعقار الجاهز بخلاف العقار في طور الانجاز الذي يستحيل فيه الاطلاع على العيوب الخفية وحتى الظاهرة حين إبرام العقد الابتدائي.
- إلزام المنعش العقاري بالانخراط في التأمين من العقاري من المسؤولية سوء العقدية أو التقصيرية والتي قد تنجم عن انهيار البناء وعيوبه التي تسبب الأضرار للغير والمتعاقدين.سواء كان البناء في طور الانجاز أو انتهي منه.
- إصلاح النظام العقاري حيث أن نتائج الإنعاش العقاري مرتبطة اشد ارتباط بوضعية العقار القانونية، فتعدد الملكيات وازدواجية النظام يؤدي إلى عرقلة المبادرات الهادفة إلى إدماج الرصيد العقاري في التنمية.
- تمكين مشتري العقار غير المحفظ من أحقيته في الاقتراض وتمويل مسكنه كما هو الأمر بالنسبة لمشتري العقار المحفظ، وتأهيل القواعد المنظمة لاقتناء العقار غير المحفظ.
- وجوب إلزام الجهات المكلفة بتوثيق عقود البيع العقاري آو عقود القرض العقاري بتبصير إرادة المقتني تحت طائلة عقوبات زجرة صارمة.
- خلق قانون جامع لكافة أشكال توثيق العقود العقارية بدلا من تشتت النصوص القانونية والمقتضيات بين العديد من القوانين بهدف تسهيل عملية التعاقد.
- العمل على تحيين القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود وجعلها منسجمة مع المستجدات التشريعية الحالية، و الالتفات إلى ضرورة جمع شتات النصوص القانونية المتناثرة، إذ أن تفرقها لا يخدم المستهلك كثيرا
- تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك للدفاع عن حقوق هذا الأخير في البيع العقاري وخاصة البيع في طور الانجاز .
- تقوية جهاز مراقبة مخالفات التعمير وضوابط البناء وتفعيل المراقبة القبلية وتطوير وسائل الردع والزجر للقضاء على الإختلالات غير الصحية التي تنخر القطاع كظاهرة الإنعاش السري التي لا تستجيب لمتطلبات الجودة التي تنص عليها القوانين العقارية وقانون التعمير.
الطرف الضعيف، رغم التدخل التشريعي الآني، إذ أن الواقع اثبت وجود هوة كبيرة بينه وبين القانون وخير دليل على ذلك وجود مثل هذه العقود النموذجية الإذعانية بكثرة سواء في البيع العقاري أو الاقتراض، وبالتالي أصبحت الضرورة ملحة لإعادة النظر في النصوص المتعلقة بحماية المستهلك وتعديلها.
via MarocDroit موقع العلوم القانونية http://ift.tt/1JPBUf9



0التعليقات :