أحكام الشفعة بين النص القانوني والممارسة العملية



عبد الصمد أبو الفتح باحث في الدراسات العقارية
 أحكام الشفعة بين النص القانوني والممارسة العملية




نظم المشرع المغربي أحكام الشفعة من خلال القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية وأفرد لها ثلاثة (03) فروع يتعلق أولها بشروط الأخذ بالشفعة وثانيهما بآثار الشفعة بينما خصص الفرع الثالث والأخير لأحكام سقوط حق الشفعة.



وباستقراء مقتضيات المادة 292 من القانون رقم 39.08 المذكور أعلاه، يتبين أن الشفعة هي أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء.



وتأسيسا عليه، وحتى يتأتى للشفيع ممارسة حق الشفعة المخول له قانونا فإنه يشترط لصحة الأخذ بها أن يكون الشفيع شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكه في العقار أو الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية والمحددة قانونا بموجب المادة 9 من القانون رقم 39.08 المشار إليه، وأن يكون تاريخ تملك الشفيع في العقار المشاع أو الحقوق العينية المشاعة سابقا على تاريخ تملك المشفوع من يده الحصة المشاعة محل الشفعة دون إغفال ضرورة أن يكون الشفيع حائز لحصته في الملك المشاع إما حيازة قانونية أو فعلية وكل هذا مرتبط بأن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض، مادام أن المشرع المغربي قد نص صراحة من خلال مقتضيات المادتين 302 و303 من القانون رقم 39.08 أنه لا محل للشفعة إذا بيعت الحصة المشاعة بالمزاد العلني وينطبق نفس القول على التفويتات التي تتم بدون عوض (عقود التبرع بصفة عامة) ما لم يكن هذا التبرع صوريا أو تحايلا كما أنه لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع.



وترتيبا على ما ذكر أعلاه، كيف يمكن للشفيع التعبير عن رغبته في الأخذ بالشفعة؟ وما هي طرق الإثبات المعتمدة في ذلك؟ وما هي آثار الشفعة؟ وما هي طرق انقضاء حق الشفعة أو الأحكام المسقطة لها؟



سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات ولو بشكل مختصر، وقبل ذلك لابد من التطرق إلى ملاحظة هامة وهي أن المشرع المغربي ومن خلال القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية يكون قد جمع شتات النصوص القانونية المتفرقة المنظمة لأحكام الشفعة سواء من خلال قانون الالتزامات والعقود أو أحكام الفقه المالكي عند عدم وجود النص أو أحكام الظهير الشريف المنظم للتشريع المطبق على العقارات المحفظة الصادر بتاريخ 02/6/1915 والذي تم نسخه بمجرد دخول القانون رقم 39.08 حيز التطبيق.



وعليه، فإن المشرع المغربي أصبح ينظم أحكام الشفعة من خلال القانون رقم 39.08 سواء تعلق الأمر بعقار غير محفظ أو عقار محفظ أو في طور التحفيظ وعند عدم وجود نص قانوني، فإنه يتم الرجوع إلى الأحكام العامة المنصوص عليها بموجب قانون الالتزامات والعقود فإن لم يوجد نص فإلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي وهذا بصريح المادة الأولى من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.



وهكذا، فإذا رغب الشفيع في الأخذ بالشفعة متى توافرت فيه الشروط السابقة الذكر، فيجب عليه أن يقدم طلبا إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة يعبر فيه عن رغبته في الأخذ بالشفعة ،ويطلب الإذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا ثم بإيداعها في صندوق المحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي، دون إغفال أن يتم ذلك داخل الأجل القانوني وإلا سقط حقه في الأخذ بالشفعة. وعمليا فإن الشفيع يقدم الطلب المذكور إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة، فيكتفي هذا الأخير بالاستجابة إلى الطلب عن طريق التأشير عليه والأمر بما جاء فيه مع تذييله بالصيغة التنفيذية. ثم بعد ذلك يتوجه الشفيع إلى المشفوع منه ليعرض الثمن والمصروفات الظاهرة المنصوص عليها بالأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية المختصة عن طريق أحد المفوضين القضائيين، هذا الأخير الذي يحرر محضرا في النازلة إما أن يقبل بموجبه المشفوع من يده العرض العيني أو يرفض فيتم تحرير محضر بذلك وفي هذه الحالة، فإن الشفيع يلجأ إلى محكمة الموضوع عن طريق رفع دعوى الشفعة بعد الإيداع القانوني للعرض العيني بصندوق المحكمة المختصة، وبالموازاة مع ذلك فإذا تعلق الأمر بعقار محفظ فإنه يتعين على الشفيع أن يتقدم إلى المحافظ على الأملاك العقارية بطلب تضمين تقييد احتياطي إما بناء على أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية أو بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المرفوع أمام محكمة الموضوع مادام أن المشرع ومن خلال المادة 13 من القانون رقم 39.08 قد نص على أن الدعاوى الرامية إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول تجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا.



وارتباطا بمؤسسة التقييد الاحتياطي فإن الشفيع ملزم باحترام آجال التقييد الاحتياطي وضرورة تمديده بالرسم العقاري تحت طائلة التشطيب التلقائي من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. لكن ما هي المسطرة المتبعة إذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ؟ جوابا على هذا التساؤل، يمكن القول أن المشرع المغربي ومن خلال مقتضيات المادة 305 من القانون رقم 39.08 قد نص صراحة على أنه لا يعتد بطلب الشفعة إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به. ويتم ذلك في الواقع العملي من خلال التعرض على الإيداع المعلن عنه تطبيقا لمقتضيات الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري المؤرخ في 13 أغسطس 1913 وبالتالي فإن الشفيع ملزم بالتقدم إلى المحافظ على الأملاك العقارية بطلب تضمين تعرضه على الإيداع المترتب عن الأخذ بالشفعة إما من خلال الطلب المقدم إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو عن طريق تقديم طلب التعرض مشفوع بنسخة من المقال الافتتاحي للدعوى في الحالة التي يرفض فيها المشفوع من يده العرض العيني.



وارتباطا بما تم تفصيله، فعلى الشفيع أن يقدم طلبه الرامي إلى الأخذ بالشفعة داخل الأجل القانوني الذي حدده المشرع المغربي من خلال المادة 304 التي جاءت بأجلين اثنين:



أجل سنة كاملة من تاريخ التقييد بالرسم العقاري إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو سنة كاملة من تاريخ الإيداع طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري إذا تعلق الأمر بمطلب تحفيظ (عقار في طور التحفيظ) وبمضي سنة على العلم بالبيع إذا كان العقار غير محفظ وإلا بمقتضى أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد إذا لم تتحقق واقعة العلم. والسنة الكاملة المقصود منها هو التقويم الميلادي وليس الهجري، وعليه فإن الشفيع ملزم باحترام الآجال المذكورة تحت طائلة سقوط حقه في الأخذ بالشفعة، هذا ويمكن المشتري بعد تقييد حقوقه بالرسم العقاري أو إيداعها بمطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له حق الشفعة، ولا يصح التبليغ إلا إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها، ويسقط حق هذا الأخير إن لم يمارسه خلال أجل ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل (الفقرة الأولى من المادة 304 المذكورة أعلاه) وإذا كان العقار غير محفظ فإن التصرفات الناقلة للملكية أو الحق العيني لهذا الحق التي أجراها المشفوع من يده على الحصة المشفوعة تبطل ولا يعتد بها.



ومن آثار الشفعة أنه إذا ثم التراضي على الأخذ بها أو حكمت بها المحكمة فإن الشفيع يتملك الحصة المبيعة والكل مع مراعاة مقتضيات الظهير الشريف الصادر بتاريخ 12 أغسطس 1913 المنظم للتحفيظ العقاري. أما عن طريق سقوط الشفعة وانقضائها فتتمثل في التنازل الصريح من طرف المستحق لها شريطة أن يحصل هذا التنازل بعد ثبوت حقه فيها أو إذا اشترى الحصة التي باعها شريكه من مشتريها أو قاسمه فيها ثم إذا باع حصته التي يشفع فيها، ولو كان لا يعلم أن شريكه قد باع حصته قبله والملاحظ أن الحق في الأخذ بالشفعة لا يسقط بموت الشفيع وإنما ينتقل هذا الحق إلى ورثته بنفس الشروط بما في ذلك ما بقي من أجل للأخذ بالشفعة، وهذا بصريح نص المادة 312 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.






.





via MarocDroit موقع العلوم القانونية http://www.marocdroit.com/أحكام-الشفعة-بين-النص-القانوني-والممارسة-العملية_a4456.html