العمل القضائي بشأن التعويض عن حوادث الشغل

http://ifttt.com/images/no_image_card.png
إعداد الطلبة المومني عبد الغني ,الخروفي عبد الصمد ,المصطفى مروني طلبة باحثون بماستر الدراسة الميتودولوجية المطبقة على القانون الالتزام التعاقدي والعقار


 
مقدمة,

يعتبر التعويض عن الأضرار الناشئة عن حوادث السير نظام من النظم الخاصة للمسؤولية المدنية، وذلك نظرا للخصائص التي يتميز بها التعويض في هذه المسؤولية، حيث يتميز بالطابع الجزافي والمجرد وذلك متى تعلق الأمر بالتعويض عن الضرر البدني.
وذلك نتيجة مباشرة لصدور ظهير 2/10/1984، لقد كان التعويض عن حوادث السير قبل صدور هذا الظهير يخضع للقواعد العامة للمسؤولية مما يعني أن تقدير التعويض كان يعود للسلطة التقديرية للقاضي.
لكن ارتفاع ظاهرة حوادث السير مع تزايد ضغط لوبي شركة التأمين دفع بالمشرع إلى إصدار قانون له فلسفته الخاصة تتمثل هذه الفلسفة في تحديد نطاق الضمان.
فعلى خلاف القواعد العامة فإن التعويض عن الأضرار المدنية التي تحدثها عربة برية ذات محرك يتميز بالطابع الجزافي على اعتبار أن المشرع حدد التعويضات في حد دون ما إمكانية تجاوزه وذلك بموجب ظهير2/10/1984، ودون ما حاجة للنظر في الظروف الشخصية للضحية وهو ما يؤكده الطابع المجرد.
من هنا تأتي مشروعية التساؤل إلى أي حد استطاع المشرع التوفيق بين مصالح الضحية وشركات التأمين؟ وهذا الإشكال تم التطرق إليه في العرض السابق. وإلى أي حد استطاع القضاء استيعاب فلسفة قانون2/10/1984 ؟ وهو موضوع هذا العرض.
وتأتي أهمية الحديث عن العمل القضائي في التعويض عن حوادث السير من كون أن الظهير المنظم هو شبه قديم حيث يعود إلى سنة 1984 مما يعني أن القضاء راكم مجموعة من التجارب تقتضي دراستها حتى نتمكن من تقييم الظهير وليس العمل القضائي، على اعتبار أن العمل القضائي هو المحك الحقيقي لتقييم مدى ملاءمة القوانين للمجتمع الذي تطبق فيه ومدى فعالية هذه القوانين لخدمة أطراف النزاع.
سوف نحاول أن نناقش الموضوع من خلال مبحثين نتحدث في الأول عن العمل القضائي بشأن التعويض عن الأضرار اللاحقة به. على أن نتحدث في الثاني عن العمل القضائي بشأن التعويض عن الأضرار اللاحقة بذوي الحقوق.

المبحث الأول: العمل القضائي بشأن التعويضات المستحقة للمصاب

إن الضرر الذي يلحق المصاب إما أن يسبب له عجزا مؤقتا عن العمل أو عجزا دائما وهو ما يحدده أهل الاختصاص من الخبراء وفي حالة إثبات هذا العجز/ الضرر يلزم احتساب التعويضات المستحقة له جراء ذلك مما يجعله ملزما بإثبات دخله، فالضحية ملزم للاستفادة من التعويضات التي يخولها له ظهير 2/10/84 أن يثبت وجود الضرر وأن يثبت دخله (الفقرة الأولى) لكي يستفيد من التعويضات المستحقة (الفقرة الثانية).

المطلب الأول: العمل القضائي بشأن استحقاق التعويض

إن الإثبات بمفهومه الواسع في نطاق حوادث السير ينصب على أمور عدة، بدءً بماديات الحادثة مرورا بالضرر، فالدخل... ولن نتحدث هنا عن إثبات مادية الحادثة لأن الأصل فيها أنها ثابتة بمقتضى محضر الضابطة القضائية أما الخطأ المثبت لمسؤولية فلا نرى له خصوصية تبرر إدراجه ضمن هذا الفقرة لأنه لا يختلف عن إثبات المسؤولية وفقا للقواعد العامة طبقا لأحكام ومقتضيات قانون الالتزامات والعقود.
وعليه، فإننا نقتصر هنا في الحديث عن إثبات الضرر بالخبرة الطبية (الفقرة الأولى) ثم وسائل إثبات الدخل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إثبات الضرر بالخبرة الطبية

ينص البند الثاني من المادة الخامسة من ظهير 2/10/84 على أنه (يشمل تعويض المصاب عن العجز البدني الدائم اللاحق به تعويضا أساسيا يحدد باعتبار... 2/ نسبة عجز المصاب التي يحددها الطبيب الخبير إستنادا إلى "جدول تقدير نسب العجز"...).
 يستفاد من مقتضيات المادة أعلاه أن أمر تحديد نسبة العجز موكول لخبير قضائي تنتدبه المحكمة المعروض عليها الملف لفحص المصاب وتحديد ما علق به من آثار ومخلفات الحادثة، أخذا بعين الاعتبار الشهادة الطبية الأولية المسلمة له من طرف الطب العام أو الطب الخاص وكذا شواهد تمديد العجز.
والخبيرالقضائي يبقى مقيدا بالمأمورية المسندة له بمقتضى الحكم التمهيدي الذي انتدبه لذلك وكذا بإجراءات مسطرية تتمثل أساسا في احترام مقتضيات الفصل 63 من ق.م.م الذي يلزم الخبير باستدعاء الأطراف ووكلائهم بالبريد المضمون خمسة أيام على الأقل قبل الموعد المحدد لإنجاز الخبرة ويجب أن يتضمن الاستدعاء وجوبا ساعة ويوم ومكان إنجاز الخبرة وعند الاقتضاء إشعار الأطراف بالإدلاء بالوثائق اللازمة لإنجاز الخبرة.
ثم إن الخبير في إطار إنجاز مهمته يبقى مقيدا بجدول تحديد نسب العجز المنصوص عليه بالمادة الخامسة من الظهير المرفق بهذا الأخير.
وقد تواترت عدة قرارات قضائية عن المجلس الأعلى تؤكد ما قلناه أعلاه بشأن تقرير الخبرة.
وهكذا نجد قرار المجلس الأعلى عدد 7571 الصادر بتاريخ 22/10/1991 في الملف الجنحي رقم 25119/89 يؤكد: "حيث أن الخبرة المنجزة لا تتضمن ما يفيد أن العارضتين قد أشعرتا من طرف الخبير بتاريخ الخبرة بعد استدعائهما برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، وأنها خبرة باطلة بقوة القانون طبقا لمقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية".
وفي نفس الاتجاه أكد المجلس الأعلى في قراره رقم 2602 الصادر بتاريخ 03/10/2001 الصادر في الملف رقم 10169/2001 على أنه "يوجب الفصل 63 من ق.م.م على الخبير إشعار الأطراف باليوم والساعة التي ستجرى فيها الخبرة، ويدعوهم للحضور فيها قبل الميعاد بخمسة أيام على الأقل مع رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، ويكون تعليل المحكمة ناقصا وغير مرتكز على أساس عندما أجابت عن الدفع المذكور بأن الخبير لا يحتاج في الخبرة التقنية لإشعار الأطراف، مما يعرض قرارها للنقض والإبطال".
كما جاء بقرار المجلس الأعلى رقم 530 بتاريخ 11/06/2002 في الملف الاجتماعي رقم 1141/5/2001 أن "إجراء خبرة طبية تحت إشراف ثلاث أطباء دون أن تتضمن تلك الخبرة ما يفيد إشعار طالب النقض باليوم الذي ستجرى فيه لعلة عدم حضور ممثل الطاعنة ليس من شأنه التنقيص من قيمتها أو تكذيب ما جاء فيها لأن تلك الخبرة كانت تحت إشراف ثلاثة أطباء مختصين يعتبر إخلالا بحقوق الدفاع وخرقا للفصل 63 من ق.م.م".
وقد صدرت عن المجلس الأعلى عدة قرارات تفرض على الخبير القضائي لزوما احترام مقتضيات الفصل 63 من ق.م.م.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة ملزمة باللجوء إلى الخبرة الطبية لتحديد نسبة العجز ويستفاد ذلك من البند الثاني من المادة الخامسة من ظهير 2/10/84. ولعل ذلك ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 1885/1 المؤرخ في 10/09/2003 في الملف الجنحي رقم 9440/03 والذي جاء فيه "المحكمة حينما أجبرت بنفسها إلى تنفيذ واستبعاد ما خلصت إليه خبرة قضائية طبية في أمر يدخل في مسائل تقنية ورتبت عنها نتائج قانونية دون أن تسترشد في ذلك بخبرة أخرى لذوي الاختصاص تأمر بها لتوضيح أمر لا تقوم فيه مقام الخبير تكون قد بنت قضاءها على تعليل ناقص يوازي انعدامه  ويعرض قرارها للنقض والإبطال".
ثم إن الخبير يجب أن يضمن في تقريره إجابة واضحة مطابقة لظهير 2/10/84 خاصة للأوصاف المذكورة في إطار المادة العاشرة من الظهير وتماشيا مع ذلك أكد المجلس الأعلى في قراره عدد 17255 الصادر بتاريخ 29/11/1994 على: "إن محكمة الاستئناف قضت بتعويض عن التشويه وعن الألم، إن الفصل 10 من ظهير 2/10/84 ينص على أن الألم والتشويه يعوض إذا كان على جانب من الأهمية أو مهم جدا، وإن الخبير حدد الألم والتشويه في مستوى خفيف الذي لا يعني أنه على جانب من الأهمية مما تكون معه المحكمة خرقت الفصل العاشر المذكور".
وقد أكد المجلس الأعلى على أن الخبير عند إنجاز مهمته يجب عليه التقيد بمرسوم 14/1/1985 إذ أكد في قراره عدد 7532 الصادر بتاريخ 5/10/1993 على: "إن المحكمة عوضت الضحية عن الألم في حين أن تقرير الخبير لا يشير إلى ذلك، سيما أن الفصل العاشر من ظهير 2/10/84 لا يعوض عن الألم إذا كان على جانب من الأهمية أو مهم جدا، ولذا فإن المحكمة مرتبطة بهذه الخبرة ولا يمكن أن تعوض عن ضرر لم يحدد في تقرير الخبير مما يتعين معه نقض القرار المطعون فيه".
وقد جاء في قراره عدد 19027 الصادر بتاريخ 27/5/1997 "إن ما حدده الخبير في تقريره عن الأضرار يخضع حتى للمعايير والمقاييس المحدد لها في إطار ظهير 2/10/84 ومرسوم 14/1/85".
يلاحظ من خلال القرارات المشار إليها أعلاه وغير كثيرا أن مسألة الخبرة الطبية لقيت اهتماما كبيرا من لدن قضاء المجلس الأعلى الذي أكد على ضرورة انتداب خبير طبي لتحديد الأضرار مع تقيده بالإجراءات المسطرية المنصوص عليها في الفصل 63 من ق.م.م وضرورة التقيد بمقتضيات ظهير 2/10/84 وكذا مرسوم 14/1/85 والعمل القضائي استقر على ذلك بفضل القرارات الحاسمة الصادرة عن المجلس الأعلى، فهل لقي إثبات الدخل نفس الإهتمام؟


الفقرة الثانية: وسائل إثبات الدخل

تكمن أهمية إثبات دخل المصاب في تحديد أجره السنوي وباعتماد هذا الأخير وسن الضحية وقت وقوع الحادثة يستخرج الرأسمال المعتمد الذي يعتبر عنصرا أساسيا في احتساب التعويض المستحق للمصاب.
غير أن إثبات الدخل ليس دائما سهلا إذ غالبا ما تثير بشأن شركة التأمين دفوعا بعدم قانونية شهادة الأجر في حالة الإدلاء  بها وتلتمس استبعادها واحتساب التعويض على أساس الحد الأدنى للأجر لما في ذلك من مصلحة لها.
ونظرا لأهمية إثبات الدخل نتوقف عند بعض وسائل إثباته.
تنص المادة السادسة من ظهير 2/10/84 على أنه "يجب أن يدلي المصاب بما يثبت مبلغ أجرته أوكسبه المهني، وإذا لم يثبت المصاب أن له أجرة أو كسبا مهنيا اعتبر كما لو كانت أجرته أو كسبه المهني يساوي المبلغ الأدنى المحدد في الجدول المشار إليه في المادة الخامسة".
وعليه فإن الأمر لا يعدو أن يتخذ ثلاث فرضيات هي:

  • الضحية الذي لا يتوفر على دخل بالمرة.
  • الضحية الذي يتوفر على دخل يستطيع إثباته بشهادة الأجر أو تصريح ضريبي.
  • الضحية الذي يتوفر على دخل لا يستطيع إثباته بشهادة الأجر أو تصريح ضريبي.
ونرى كيف عالج العمل القضائي كل حالة من هذه الحالات:

الضحية الذي لا يتوفر على دخل
 
لقد أكدت المادة السادسة من الظهير صراحة أنه في حال عدم إثبات المصاب لأجره اعتبر كما لو كانت أجرته تساوي الحد الأدنى للأجر، الذي هو 9270 درهما.
وقد أكد المجلس الأعلى على ذلك في عدة قرارات نذكر منها:

  • قراره عدد 610 بتاريخ 21/4/1993 الذي جاء فيه "لقد تم تطبيق مقتضيات ظهير 2/10/84 تطبيقا سليما، وإن التعويض المحكوم به لفائدة الضحية عن العجز الكلي المؤقت يبرره افتراض المشرع حدا أدنى للأجر لكل متضرر يمنح له بالنسبة لسائر التعويضات الأساسي والتكميلي".
  • وقراره عدد 9128 بتاريخ 27 /9/ 1994 الذي جاء فيه "على المصاب في حادثة سير أو ذوي حقوقه أن يدلوا للمحكمة بما يثبت الأجر أو الكسب المهني، يفترض للمصاب أجرا يوازي الحد الأدنى الوارد بالجدول المرفق بالظهير المذكور".
  • قراره عدد 11853 الصادر بتاريخ 1/11/1994 الذي أكد أن "المحكمة التي لم يثبت لها دخل سنوي قار للضحية تعتمده في منحها التعويض، فإنها تقضي له بالحد الأدنى للأجر المنصوص عليه في الجدول المرفق بظهير 2/10/84".
وبناء على هذه القرارات وغيرها يمكن القول أن العمل القضائي مستقر في احتساب التعويض للمصاب الذي لم يثبت دخله في اعتماد الحد الأدنى للأجر فيكون بذلك قد طبق مقتضيات المادة السادسة من الظهير تطبيقا سليما، وأن الفصل المذكور بدوره لا يترك أي هامش للقضاء قصد الاجتهاد.

المصاب الذي يتوفر على أجر يستطيع إثباته بشهادة الأجر أو التصريح الضريبي:
 
يتعلق الأمر بكل شخص يزاول عملا قارا بمؤسسة عمومية أو خاصة يستطيع الإدلاء بشهادة الأجر صادرة عنها، أو بكل تاجر خاضع للضريبة على الدخل.
فهؤلاء يمكنهم إثبات دخلهم بواسطة شهادة أجر أو تصريح ضريبي.
غير أن ذلك يثير عدة إشكالات سيما في الإدلاء بشهادة الأجر فقد تكون هذه الأخيرة عن جهة غير رسمية وقد تبدو مبالغا فيها فتدفع شركة التأمين أو من يقوم مقامها بتكليف الضحية بالإدلاء بشهادة التصريح الضريبي، فكيف تعامل القضاء مع هذا الدفع؟
لقد نص قرار المجلس الأعلى 879/2 بتاريخ 16/05/2001 على أنه "في إطار ظهير 2/10/1984 يمكن لضحية حادثة سير بأية وسيلة كانت وليس فقط بالشهادة الضريبية".
وقد أكد المجلس الأعلى في قراره عدد 201 بدون تاريخ منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد 49/50 ص 176 "الدخل أو الكسب المهني المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة من ظهير 2/10/84 بالنسبة لأصحاب المهن الحرة هو الربح الصافي الخاضع للضريبة".
وعليه ومن خلال هذين القرارين يلاحظ أن المجلس الأعلى نهج سبيل حرية الإثبات فيما يخص من يدلي بشهادة الدخل ولم يلزمه بالإدلاء بشهادة الضريبة على الدخل بعكس أصحاب المهن الحرة الذين ألزمهم بضرورة الإدلاء بما يثبت الأجر الصافي الخاضع للضريبة على الدخل.


  1. المصاب الذي يتوفر على الدخل ولا يستطيع إثباته بشهادة أجر أو تصريح ضريبي:
  2.  
قد يكون للمصاب عملا أو أعمالا لا يستطيع إثباتها بالوسائل المذكورة أعلاه كأن يكون ممارسا لنشاط فلاحي أو لعمل تجاري غير منظم أو قد تتداخل أمواله مع كسبه فيصعب عليه الإثبات بما يفيد دخله الصافي.
لقد أكد المجلس الأعلى في عدة قرارات له في مثل هذه الحالات على اعتماد الخبرة الحسابية لتحديد الدخل ونذكر في هذا الشأن القرارات التالية:

  • قرار المجلس الأعلى عدد 581/11 الصادر بتاريخ 2/4/2003 والذي جاء فيه "حيث إن ما يدلي به المصاب من وثائق لإثبات أجره أو كسبه المهني يخضع لتقدير محكمة الموضوع وأن المحكمة المصدرة  للقرار المطعون فيه عندما اعتمدت الخبرة الحسابية في احتساب التعويض  تكون قد وجدت فيه العناصر الكافية في تحديد الكسب المهني الذي يستطيع أن يحصل عليه شخص آخر يقوم بنفس المهنة".
  • قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء رقم 4969 بتاريخ 24/12/1986 في الملف رقم 2435/86 والذي جاء فيه "إن سياقة شخص لسيارة أجرة ومعه شخص محمول على نفس السيارة أثناء وقوع الحادثة يشكل قرينة قاطعة على أن السائق يزاول نشاطا زائدا إلى جانب نشاطه القار بإحدى المؤسسات، يجوز للمحكمة أن تستعين بخبير لتقييم الدخل الشهري للضحية عن عمله الثانوي المتمثل في سياقة سيارة الأجرة في غياب العناصر الكافية لإثبات ذلك".
يتضح من خلال القرارات المذكورة أعلاه أن العمل القضائي وسع من دائرة إثبات الدخل عندما أقر بالخبرة الحسابية في إثباته ولم يلزم بضرورة الإدلاء بشهادة الضريبة على الدخل.

المطلب الثاني: العمل القضائي بشأن تعويض المصاب عن العجز

يمكن التمييز في العجز بين العجز الدائم والعجز المؤقت وسواء هذا أو ذاك فإن سلطة المحكمة في تقدير التعويض هي جد مقيدة بموجب ظهير 2/10/1984 لكن هذا لا يعني أن القضاء ليست له أي سلطة تقديرية، فكيف تعامل القضاء مع تعويض المصاب عن العجز البدني الدائم والمؤقت؟
سنناقش موقف القضاء من التعويض عن العجز المؤقت (الفقرة الأولى) على أن نناقش موقف القضاء من تعويض المصاب عن العجز البدني الدائم (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: موقف القضاء من التعويض عن العجز البدني المؤقت

يكون العجز مؤقتا عندما يشفى الضحية تماما بحيث لا تخلف الإصابة أي عجز
[1].
ويطرح تعويض المصاب عن العجز المؤقت مجموعة من الإشكالات وهذه الإشكالات تجد أساسها في صياغة المادة الثالثة في فقرتها الثانية التي تجعل تقدير التعويض عن العجز المؤقت بالاستناد إلى ثلاثة عناصر: عدد الأيام التي منعت الإصابة الضحية من العمل، مقدار الكسب أو الأجر المهني الذي فوت على الضحية بسبب الإصابة، وأخيرا قسط المسؤولية.
حيث نصت هذه الفقرة على أن "(أ) في حالة عجز مؤقت عن العمل التعويض عن فقد الأجرة أو الكسب المهني الناتج عن العجز على أن يعتبر في ذلك قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الحادثة أو المسؤول المدني".
فالإشكال الذي يطرح هنا هو هل من الضروري أن يكون المصاب بعجز مؤقت يحصل على أجر أو كسب مهني حتى يفقده ويستحق بالتالي عنه تعويض أم أنه يستحق التعويض دونما حاجة لإثبات أنه كان يحصل على أجر أو كسب مهني وفقده من جراء الإصابة.
فبعض المحاكم تحكم باستحقاق التعويض دونما حاجة لفقدان الكسب أو الأجر بسبب الحادثة بينما تحكم أخرى برفض التعويض، حتى المجلس الأعلى مرة يأخذ بهذا ومرة بالأخرى.

  •  فبالنسبة للاتجاه الأول الذي يرى باستحقاق المصاب التعويض دونما حاجة لإثبات فقدان الكسب أو الأجرة في حالة العجز الكلي وذلك راجع لكون المشرع افترض للشخص الذي ليس له أجر أو كسب مهني حدا أدنى للتعويض، وهذا ما جاء في مجموعة من القرارات للمجلس الأعلى، ومن ذلك قراره عدد 610 بتاريخ 421/11/1993[2] حيث جاء فيه[3] "لقد تم تطبيق مقتضيات ظهير 2/10/84 تطبيقا سليما وأن المحكوم به لفائدة الضحية عن العجز الكلي المؤقت يبرره افتراض المشرع حدا أدنى للأجر لكل متضرر يمنح له بالنسبة لسائر التعويضات الأساسية والتكميلية".
كما ذهب المجلس الأعلى في تعليل استحقاق المصاب الذي ليس له أجر أو كسب مهني على أن المادة 3 في البند (أ) إنما نصت على أنه في حالة العجز المؤقت يعوض المصاب عن فقد الأجرة أو الكسب المهني دون تحديد لوسائل إثبات ذلك وكيفية ثبوته حيث جاء في قراره عدد 3084 الصادر بتاريخ 20/07/2000 ملف رقم 2034/99 منشور بمجلة النشرة الإخبارية عدد 10 ص 9.
"إن البند (أ) من المادة الثالثة من ظهير 2/10/1984 المتعلق بكيفية تحديد التعويض عن حوادث السير إنما نص على أنه في حالة العجز المؤقت يعوض المصاب عن فقد الأجرة أو الكسب المهني دون تحديد لوسائل إثبات ذلك وكيفية ثبوته.
وإن محكمة الاستئناف لما قضت بتعويض عن هذا النوع من العجز بالنسبة للمصاب الذي هو عامل تكون قد اعتبرت أن الأصل أنه لا يتقاضى أجره إلا مقابل عمله وأن عجزه كليا عن العمل لمدة 90 يوما يفقده بالضرورة هذا الأجر فطبقت بذلك الأصل ما دام لم يثبت خلافه ولم تخرق البند (أ) من الفصل المحتج بخرقه.
واضح من خلال موقف المجلس الأعلى هذا قد يجعل دائرة الأشخاص المصابين الذين يستفيدون من التعويض تتسع لتشمل كل من الموظف الذي لم يفقد أجره من جراء الحادثة والعاطل والذي غالبا امرأة أو طالب أو تلميذ أو عاطل ونفس الشيئ يقال عن القاصر
[4]. كل هؤلاء الأشخاص في إطار هذا الاتجاه القضائي يستفيدون من التعويض عن العجز المؤقت وذلك بناء على المادة 6 من ظهير 1984 التي افترضت لهؤلاء حدا أدنى للأجرى هو الحد الأدنى المحدد في الجدول.
الشيئ الذي يحبذه الفقه
[5] على اعتبار أنه يساير بروح قانون 1984 ومن شأنه أن يكرس العدالة.
  • الاتجاه الثاني يذهب إلى ضرورة إثبات فقدان الكسب حتى يستفيد المتضرر من التعويض.
وهو ما يظهر من خلال حرمان المجلس الأعلى في قراراته مجموعة من الأشخاص الذين لم يستطيعوا إثبات أنهم فقدوا دخلا أو كسبا معينا.
حيث جاء في قرار الابتدائية بالرباط عدد 283 صادر بتاريخ 26/05/1998 في الملف 3/467/95 "حيث إن التعويض عن العجز الكلي غير مرتكز على أساس إذ المدعي موظف لذا فإنه لم يفته أي دخل بسبب الحادث لذا يتعين رفض هذا الطلب".
كما جاء في قرار آخر للمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 03/11/1992 في ملف جنحي سير 98/22796 منشور بمجلة المحامي "إن التعويض عن العجز المؤقت يكون عن فقد الأجرة أو الكسب المهني الناتج عن عجز المصاب الذي عليه أن يثبت ذلك تطبيقا للفقرة (أ) من الفصل الثالث من ظهير 02/10/1984"
[6].
كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بالرباط عدد 175 الصادر بتاريخ 30/03/1998 في الملف 3/1225/96 "حيث أن الضحية ما زالت رضيعة وبالتالي لم يفتها أي دخل خلال مدة عجزها مما يتعين عليه رفض طلبه بخصوص التعويض عنه". ولا يكفي إثبات أن الشخص له دخل حتى يستفيد من التعويض بل لا بد من إثبات فوات هذا الدخل أثناء مدة العجز أي توقفه وهو الأمر الذي أكده حكم المحكمة الابتدائية بالرباط عدد 453 الصادر بتاريخ 10/11/1998 في الملف رقم 3/107/96
[7].
وخلاصة القول فإن القضاء متذبذب بشأن هذه النقطة تارة تراه يأخذ بالاتجاه الأول وتارة بالتوجه الثاني، فهو غير مستقر على حال بشأن هذه النقطة.

الفقرة الثانية: العمل القضائي بشأن تعويض المصاب عن العجز الدائم

قد يترتب على حادثة سير عجز دائم وذلك معناه النقصان النهائي الطارئ على قدرة المصاب البدنية والنفسية بسبب الحادثة وهو يختلف عن العجز المؤقت من حيث أن هذا الأخير لا يكون إلا عرضي أما الأول فهو يكون دائم مستمر ولا يهم أن يكون مستقرا حيث في هذه الحالة يمكن أن يتم تحديد نسبة العجز ومن ثمة قيمة التعويض.
وبالرجوع إلى ظهير 1984 نجده ميز بين نوعين من التعويضات الناتجة عن العجز: تعويضات أساسية وتعويضات تكميلية.

  • التعويضات الأساسية:
الملاحظ بهذا الشأن وإن كان إثبات الأجر أو الكسب المهني له دور مهم على اعتبار أنه محدد أساسي إلى جانب السن ونسبة المسؤولية في تحديد الرأسمال الذي يحدد على أساسه التعويض فالأمر لا يطرح إشكال كما رأينا في العجز المؤقت أمام القضاء فالمشرع افترض حدا أدنى للأجر طبقا للمادة 6 كما أن التلاميذ والطلبة افترض لهم معيار لتحديد الأجر، والقضاء غالبا ما يتعامل مع تلك الضوابط بشكل أوطوماتيكي إلا فيما تعلق منها بالإثبات (الأجر/ الضرر/ المسؤولية) وهذا الأمر سبق وأن ناقشناه في المطلب الأول.
  • التعويضات التكميلية:
في البداية تجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي الخلط بين أمرين التعويضات التكميلية من جهة والتي تنصب على تعويض المصاب عن الانعكاسات الجانبية المتفرعة عن ذلك العجز[8]. ولقد نصت المادة 3 من ظهير 2 أكتوبر 1984 عن هذه التعويضات وذلك بموجب الفقرة الثانية والتي جاء فيها "...وكذا الأضرار اللاحقة بسلامته البدنية والأضرار التالية إن اقتضى الحال ذلك: الاضطرار إلى الاستعانة بشخص آخر وتغيير المهنة تغييرا كليا والآثار السيئة على الحياة المهنية والانقطاع النهائي أو شبه النهائي عن الدراسة وتشويه الخلقة والألم الجسماني وذلك كله وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة وما يليها إلى غاية المادة العاشرة من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون".
وبالرجوع إلى البحث في العمل القضائي بهذا الشأن بالفعل نجد هناك تطبيقات لهذه المادة.
فبالنسبة للتعويض المستحق في حالة الاضطرار إلى الاستعانة بشخص آخر نجد في المجلس الأعلى في قراره عدد 1852/11 الصادر بتاريخ 17/12/2003 في الملف الجنحي رقم 14123-23497/2002 حيث جاء فيه.
"وحيث أنه بمقتضى المادة العاشرة من ظهير 2/10/1984 فإن العجز البدني الدائم الذي يضطر المصاب إلى الاستعانة على وجه الدوام بشخص آخر للقيام بأعمال الحياة العادية يستحق عنه تعويضا يساوي 50% من الرأسمال المعتمد المطابق لسن المصاب ولمبلغ الأجرة الدنيا أو الكسب المهني الأدنى.
وحيث يستفاد من هذا المقتضى أن استحقاق التعويض عنه الاستعانة بشخص آخر رهين بتحقق أربعة شروط وهي: 1- وجود عجز بدني دائم 2- كون هذا العجز يحتم ضرورة الاستعانة بشخص آخر 3- أن تكون هذه الاستعانة دائمة وليست مؤقتة لمدة معينة وإلا كان التعويض محددا ومعلوما لذلك الشخص 4- أن تستلزم هذه الاستعانة مساعدة المصاب للقيام بأعمال الحياة العادية لقضاء حاجاته وليس للترفيه عنه وحيث أن المحكمة المصدرة للقرار المطعون عنه لما قضت للمطلوب في النقض بالتعويض عن الاستعانة بشخص آخر على وجه الدوام بذلك يكون قرارها ناقص التعليل مما يعرضه للنقض".
هذا القرار يوضح بشكل دقيق الشروط التي ينبغي توافرها حتى يستحق المصاب للتعويض في حالة اضطراره للاستعانة بشخص آخر
[9].
أما بالنسبة للتعويض عن الألم الجسماني فإنه يحسب على أساس الرأسمال المطابق لسنه والحد الأدنى للأجر المحدد في الجدول وهو ما سبق واستقر عليه المجلس الأعلى حيث جاء في قراره عدد 4219/17/97 الصادر بتاريخ 25/05/2000 في الملف المدني المنشور بمجلة الإشعاع عدد 24 ص 143 حيث جاء فيه "التعويض عن الألم الجسماني يحسب على أساس رأس المال المعتمد المطابق لسن المصاب والمبلغ الأدنى وليس لمبلغ الأجرة الحقيقية".
أما فيما يخص الألم الجسماني الذي يعوض عنه فهو الألم الذي على جانب من الأهمية(5% ) والمهم (7%) والمهم جدا وهو ما ذهب إليه في قرار للمجلس الأعلى عدد 2734 صادر بتاريخ 18/05/95، كما يعوض القضاء على الألم الذي صنف بلفظ (متوسط) حيث جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 2734 صادر بتاريخ 18/05/1995.
"إن المحكمة الابتدائية بتعبيرها  بلفظ (متوسط) تكون قد صنفت الألم الجسماني الذي أصيب به الضحية في درجة (على جانب من الأهمية) مما يكون معه تعليلها وكذا محكمة الاستئناف التي تبنته غير مشوبين بأي عيب يستوجب نقض القرار المطعون فيه وتكون الوسيلة غير جديرة بالاعتبار".
بالإضافة إلى هذان التعويضان التكميليان نجد تعويضات أخرى متمثلة أساسا في التعويض عن تغيير المهنة كليا أو التأثير السيئ على الحياة المهنية ثم الانقطاع عن الدراسة وتشويه الخلقة وهي أمور لا تطرح إشكالات كثيرة على مستوى القضاء إلا ما تعلق منها بتحديد مفهوم الانقطاع شبه النهائي عن الدراسة وفي هذا الاتجاه نجد المجلس الأعلى في أحد قراراته، قرار عدد 667/2 بتاريخ 10/06/1995 في ملف جنحي رقم 19046/90 نص على إمكانية اللجوء إلى الخبرة في هذا الشأن حيث جاء في هذا القرار "لكن حيث إنه طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل الرابع من مرسوم 14 يناير 1985 فإن للخبير وحده تحديد مدى الانقطاع عن الدراسة مما تكون معه محكمة الاستئناف باستنادها إلى الملف المدرسي للمصاب لتحديد مدة انقطاعه عن الدراسة والحكم له بالتعويض عن ذلك وأن ما قضت به ليس له أي أساس من القانون مما يوجب نقض القرار المطعون فيه بخصوص ذلك".
كما ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد 18226 الصادر بتاريخ 13/12/1994 إلى أنه "حيث إن الضحية لم يعوض لا عن العجز الجزئي الدائم ولا عن الضرر المدرسي وبالتالي الانقطاع الشبه النهائي عن الدراسة معتمدا في ذلك على الشهادة المدرسية التي أدلت بها الضحية والتي تشهد بأنها كانت تتابع دراستها إلى غاية 30/06/88 في الطور الثانوي وأن الحادثة التي وقعت بتاريخ 12/08/88 كانت السبب في عجزها الكلي عن العمل لمدة (كذا) مما جعلها تنقطع عن الدراسة سنة بكاملها وقد منحتها المحكمة التعويض الذي رأت أنها تستحقه عن الانقطاع الشبه النهائي عن الدراسة مسايرة في ذلك مفهوم الفقرة الأخيرة من الفصل العاشر من ظهير 2/10/84 مما تكون معه الوسيلة مخالفة للواقع".
وانطلاقا من هذان القراران فإن مفهوم الانقطاع شبه النهائي عند القضاء هو التوقف المؤقت أو الانقطاع المؤقت عن الدراسة.

المبحث الثاني: العمل القضائي بشأن التعويضات المستحقة لذوي حقوق المصاب

إن المبدأ في المجال القانوني هو إمكانية المطالبة بالتعويض لكل شخص له حق مدقق، وشخصي ومباشر، إلا أن ظهير 2/10/1984 ضيق نطاق دائرة المستفيدين من التعويض في حالة الوفاة. فبعد أن كان الاجتهاد القضائي يقضي بالتعويض لفائدة الإخوة والأحفاد والأجداد أحيانا باعتبار أن الضرر الذي لحقهم من جراء الوفاة ضرر معنوي، ذلك أنه أصبح من العسير على هؤلاء أن يطالبوا بالتعويض عن الضرر المذكور ولكن يحق لهم التعويض عن فقد المعيل إذا كان الهالك ينفق عليهم ويتعين في هذه الحالة إثبات واقعة الإنفاق، فالعمل القضائي من خلال عدة قرارات قام باستبعاد كل شخص لم يذكر في المادة الرابعة، إلا أنه في حالة إثبات واقعة الإنفاق قد يحكم له بالتعويض.
فمن خلال هذا المبحث سنقف على العمل القضائي فيما يتعلق بالتعويض عن الضرر المادي (المطلب الأول) وذلك قبل أن نتحدث عن العمل القضائي فيما يتعلق بالتعويض عن الضرر المعنوي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التعويض عن الضرر المادي

إن المادة 4 من ظهير 1984 تحدثت عن التعويض المادي الذي يستحقه ذوي حقوق ضحية حادثة السير فيما فقدوه من مورد عيشهم بسبب وفاته، ذلك أن ظهير 1984 حافظ على مبدأ عام فيما يتعلق بتعويض ذوي الحقوق، فمن خلال المادة الرابعة من الفقرة الأولى فالحق في التعويض عن الضرر المادي الناتج عن وفاة الضحية يثبت لمن كانت تجب عليه نفقتهم وفقا لنظام أحواله الشخصية أولا، ولكل شخص يعوله الضحية ثانيا، فالمستحقون للتعويض المادي قد يكونون ملزمين بالإثبات (الفقرة الأولى) وأشخاص يستحقون التعويض دون وجوب الإثبات (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المستحقون للتعويض عن العجز الدائم مع وجوب الإثبات

أولا: الزوج المستحق للتعويض جراء فقده مورد العيش

إن الإشكال الذي يطرح في فرضية كون الزوجة هي الضحية مما يجعل زوجها يتأثر، فهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى استحقاق هذا الزوج للتعويض باعتباره فقد جزءا من مورد عيشه، ففي قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 1407/11 بتاريخ 21/03/01 ملف جنحي عدد 718/98 جاء فيه لما كانت الضحية التي كانت تركب السيارة أداة الحادثة زوجة لسائقها فإنها تكون غير مشمولة بالضمان طبقا للفصل الخامس من ظهير 20/10/1965 والفصل 14 من قرار 25/01/1965 المتعلق بالشروط النموذجية لعقد التأمين باعتبارها ليست من الأغيار، وعليه فإن المحكمة عندما رفضت دفع شركة التأمين بانعدام الضمان تكون خرقت المقتضيات المذكورة وعرضت قرارها للنقض بهذا الخصوص، فمن خلال هذا القرار حتى وأن الضحية هي الزوجة وحتى ولو أن المضرور أثبت فقد مورد العيش فإنه    - الزوج- لن يستفيد من التعويض باعتبار أن الزوجة التي تركب السيارة أداة الحادثة باعتبارها ليست من الأغيار إذ الحال أن الضمان في هذه الحالة لا يعمل إلا إذا كان الشخص من الأغيار
[10]، والملاحظ أن هذا القرار لم يأت في ضوء ظهير 1984، فحسب بحثنا في مجمل قرارات المجلس الأعلى لم نجد قرار يتعرض لهذه الحالة المتعلقة بتعويض الزوج عن فقد زوجته، وأمام هذا الفراغ التشريعي باعتبار المشرع لم ينظم هذه الحالة مراعاة منه لخصوصية المجتمع باعتبار أن النفقة هي على عاتق الزوج، وقد اعتبر بعض الفقه - الأستاذ مونير نكبي- بإمكانية إدخال هذه الحالة ضمن الأشخاص الذي لم يكن المالك ملزما بالإنفاق عليهم، وبناء عليه يمكن للزوج والحال هنا أن يعتبر من هذه الجوقة المستحقة للتعويض إذا أثبت ذلك بكافة الوسائل وإثبات فقد مورد العيش، وهو ما يستخلص من قرار المجلس الأعلى عدد 11/1632 الصادر بتاريخ 9/05/2001 موضوع الملف الجنحي عدد 00/233583 والذي جاء في بعض حيثياته "حيث أن المادة 4 من ظهير 2/10/84 تؤسس استحقاق التعويض المادي على تحقق عنصرين، التزام الهالك بالإنفاق بمقتضى القانون والالتزام الطوعي وثبوت فقد مورد العيش وعلى المحكمة إبراز هذين العنصرين[11]، ولعل هذا التصور الذي طرده الفقه واستنادا إلى قضاء المجلس الأعلى إذا اعتبر الزوج يدخل في هذه الزمرة التي تستحق التعويض سيخول الزوج الاستفادة من التعويض الأمر الذي سيجعل هذا الزوج في مأمن من شظف العيش ولو نسبيا خصوصا إذا كانت الزوجة هي المعيل الوحيد.
وما تجدر الإشارة إليه أن الزوجة في الحالة التي تكون تركب السيارة أداة الحادثة فإنها تكون غير مشمولة بالضمان إذا كانت تركب مع زوجها باعتبارها ليست من الأغيار، وهو ما ورد في القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي أتينا به. وكذلك نفس النهج سارت عليه محاكم الموضوع، حيث صدر قرار عن محكمة الاستئناف بتاريخ 07/04/1980 غير منشور تحت عدد 659 تضمن الوقائع المتمثلة للحادثة وهي أن مالك العربة المسؤول المدني أعارها لأخيه لينقل أسرته (أي السائق) إلى مكان ما، فوقعت له حادثة توفيت على إثرها زوجته التي قدم دعوى والدها وأخواتها قضت لهم المحكمة الابتدائية بأسفي بالتعويضات عن الضرر اللاحق بهم بضمان شركة التأمين، غير أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم الابتدائي الاستئنافي معللة ذلك بأن الأضرار التي انتابت ذوي الحقوق مستثناة من الضمان وخارجة عنه بحيث لا يكون خطرها داخلا في عقد الضمان طبقا للفصل 14 من القرار المتعلق بالشروط النموذجية والفصلان الأول والخامس من ظهير 20/10/69، وفي اعتقادنا فإن منطق ظهير 20/10/69 المتعلق بالتأمين الإجباري الذي نص في فصله الأول على أن عقد التأمين يضمن المسؤولية بخصوص الأضرار البدنية والمالية اللاحقة بالغير مما يمكن معه القول بسلامة التوجه الذي سار فيه القضاء من حيث تطبيقه لمنطق الظهير - الذي يجب في منطق الأمور-.
ثانيا: استحقاق الفروع للتعويض المادي
      إن المشرع المغربي جعل استحقاق التعويض بالنسبة للفروع بالسن تارة وبالعسر أخرى أو الإصابة بعاهة بدنية أو عقلية، ذلك أن حالة السن عندما يكون الفرع لا يتجاوز 17 سنة لا تطرح إشكالا عمليا خلاف إذا كان يتجاوز 17 سنة فإنه يكون له الحق في 10%  من الرأسمال المعتمد شريطة إثبات أن المالك كان ينفق عليه في حياته وهو ما استقر عليه العمل القضائي ففي قرار محكمة الاستئناف بالجديدة الصادر بتاريخ 16/02/2005 موضوع الملف عدد 04/257، كذلك قرار محكمة الاستئناف بالجديدة الصادر بتاريخ 22/04/2003 موضوع الملف 3168 الذي ذهب في بعض حيثياته إلى "حيث أن حكم البداية قد قضى لفائدة حقوق الهالكة تعويض مادي والحال أنهم وإن أثبتوا عسر الأب (شهادة إدارية) فإنهم لم يثبتوا يسر الفرع الهالك وأن له مالا ينفق منه على نفسه ويفضل منه ما ينفقه على طالب التعويض فقد مورد العيش، وحيث تبعا لذلك ينبغي إلغاء الحكم المستأنف جزئيا بهذا الخصوص والحكم تصديا برفض الطلب
[12]، إذ ما ذهب إليه المشرع في مدونة الأسرة يتنافى مع هذا المقتضى ذلك أن المادة 198 تجعل عبء النفقة ملقى على عاتق الأولاد إلى حين بلوغهم سن الرشد أو تمام الخامسة والعشرين سنة بالنسبة للذين يتابعون دراستهم، أما البنت فلا تسقط نفقتها إلا بتوافرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها، أما الوثائق التي يتعين على ذوي الحقوق الإدلاء بها فإن العمل القضائي، واجتهاد المجلس الأعلى ما سار عليه هو أن الفرع لكي يستفيد من التعويض المذكور عليه الإدلاء بعقد ازدياد، وشهادة حياته الفردية، وموجب إنفاق يشهد شهوده بأن الهالك كان قيد حياته قائم الإنفاق على الفرع الذي يتجاوز عمره 17 سنة واستمر إلى تاريخ وفاته، وأن يثبت فضلا عن ذلك أن الفرع معسر بكافة وسائل الإثبات، وبالنسبة للفرع الأنثى يتعين عليها الإدلاء بشهادة العزوبة، ويبقى لمحكمة الموضوع في جميع الأحوال تقييم الحجج المدلى بها.

ثالثا: تعويض الأصول

إن استفادة الأصول من التعويض المادي رهين بإثبات واقعة الإنفاق من لدن الأصل وأن هذا الأخير معسر وهو ما استقر عليه أعلى هرم قضائي في اجتهاده حيث ذهب في قراره الصادر بتاريخ 10/02/2000 تحت عدد 7/1009 موضوع الملف الجنحي عدد          42/2138/997 إلى أن الإبن الذي يمارس مهنة الجزارة وكان قائما بالإنفاق على والديه الذين أثبت عسرهما بموجب عدلي محقين في طلب التعويض المادي عن فقدان ابنهم المذكور حيث جاء فيه "حيث أنه تنص الفقرة 1 من الفصل 4 من ظهير 2/10/84 على أنه إذا نتج عن الإصابة وفاة المصاب، استحق من كانت تجب عليه نفقتهم وفقا لنظام أحواله الشخصية وكذلك، كل شخص كان يعوله تعويض عما فقدوه من مورد عيشهم
[13].
وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى أيضا في قراره عدد 11/684 المؤرخ 26/05/2004 في موضوع الملف الجنحي عدد 02/24800 الذي جاء في بعض حيثياته "حيث أن نفقة الأبناء على الأب لا تجب شرعا إلا إذا كان الأب معسرا والابن قادرا على الإنفاق وحيث لا يوجد بالملف ما يثبت أن الأب محمد كان معسرا وأن الضحية الهالك الذي كان ينفق عليه وعلى والدته خديجة الماطي، وبالتالي فإن عنصر فقد مورد العيش الذي هو أساس استحقاق التعويض المادي طبقا للمادة الرابعة المذكورة أعلاه غير ثابت وأن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي فيما قضى به من تعويض مادي لوالدي الهالك كان قرارها فاقدا للأساس القانوني وفاسد التعليل مما يعرضه للنقض بهذا الخصوص
[14].
إن الذي يلاحظ من خلال مجموعة من قرارات المجلس الأعلى هو أنه ترك لقضاء الموضوع سلطة تقييم الوثائق والحجج المدلى بها لإبراز عنصري الإنفاق والعجز.

رابعا: الأشخاص الذي كان يعولهم الهالك دون أن يكون ملزما بالإنفاق عليهم

إن طالب التعويض الذي يدخل في هذه الطائفة من الأشخاص يلزمه أن يثبت وجود هذا الالتزام بكل وسائل الإثبات وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قرار له "لكن حيث أنه ما دام الضحية الهالك هو جد للحفدة وقد تكفل بالنفقة عليهم بعد وفاة أبيهم كما هو ثابت من رسم الكفالة يكون قد التزم بالنفقة عليهم بمقتضى الكفالة المذكورة ولذا فإنهم أصبحوا مشمولين بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 11 من ظهير 2/10/1984 الذي ينص على أن المستحقين الآخرين الذين كان المصاب ملزما عليهم لكل واحد 10%. لذا فإن القرار المطعون فيه حينما عدل الحكم الابتدائي وقضى لكل واحد من الحفدة بالمبلغ المشار إليه في الوسيلة يكون قد راعى ما يقتضيه الظهير المذكور.
وفي قرار المجلس الأعلى جاء فيه "وحيث يعيب الطاعن على المحكمة فوق القانون وخاصة مقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية ذلك أنه ليس بإراثة المتوفى ما يفيد أن الضحية خلف إخوانا له أم لا وأنهم تدخلوا في الدعوى معتمدين على لفيف عدلي لإثبات نفقتهم وعلاقتهم بالمتوفى... وأن اللفيف المذكور لا يتوفر على الشروط القانونية المعتبرة شرعا التي تعطيه نفس حجية الإراثة...، وحيث أن النازلة تتعلق بطلب تعويض ذوي حقوق الضحية المتضررين ماديا ومعنويا من وفاة ولا تتعلق بتصفية التركة حتى يمكن مطالبتهم بإثبات صفتهم كورثة وأن علاقة القرابة تثبت بجميع وسائل الإثبات وأن المحكمة قدرت اللفيف بما لها من سلطة في تقدير تلك الوسائل واعتبرته كافيا لإثبات علاقة الأخوة بينهم وبين الضحية... فجاء قضاؤها لذلك مؤسسا ولم تخرق أي مقتضى قانوني وكان ما بالوسيلة غير مرتكز على أساس
[15].
إن استحقاق هذه الفئة للتعويض، متوقف على تحقق عنصرين هما التزام الهالك بالإنفاق بمقتضى القانون أو الالتزام التطوعي وثبوت فقد مورد العيش وهو ما يستشف من قرار المجلس الأعلى عدد 11/1632 الصادر بتاريخ 9/5/2001 موضوع الملف الجنحي عدد 00/23583 والذي جاء في بعض حيثياته "حيث أن المادة 4 من ظهير2/10/1984 تؤسس استحقاق التعويض المادي على تحقق عنصرين: التزام الهالك بالإنفاق بمقتضى القانون والالتزام التطوعي وثبوت فقد مورد العيش، وعلى المحكمة إبراز هذين العنصرين، وحيث أن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه قضت للإخوة بالتعويض المادي دون إبراز عنصر فقد العيش الذي هو أساس التعويض المادي سواء كانت النفقة واجبة أو عن طريق التطوع وأنها لما قضت بالتعويض عن المصلحة المادية مع أن ظهير 2/10/84 لم ينص أن هذا النوع من التعويض جاء قرارها فاقد الأساس القانوني مما يعرضه للنقض
[16].
ذلك أن مستحقي التعويض يجب عليهم أن يثبتوا استحقاقهم بجميع وسائل الإثبات التي يعود لمحكمة الموضوع السلطة في تقديرها. كما جاء في قرارات المجلس الأعلى والتي بلورناها أعلاه، فهذا الحق المخول لهذه الفئة مترتب على مبدأ التعويض عن المصلحة المادية على الرغم من كون هؤلاء الأشخاص لم يكن مضمونا لهم حق الاستمرار في العيش على نفقة المصاب ما دام كان بإمكانه في أي وقت من الأوقات أن يتخلى عن إنفاقه عليهم.

الفقرة الثانية: المستحقون للتعويض عن العجز الدائم دون إثبات: الزوجة جراء فقد زوجها

إن المستحقون للتعويض عن العجز الدائم دون إثبات حسب منطق الأمور هو شخص واحد وهو الزوجة ذلك أنها لا تطرح إشكالات، إذ الأصل حسب مدونة الأسرة أن نفقة الزوجة تقع على زوجها ولو كانت موسرة، وفي هذا السياق منحها المشرع حق الاستفادة من التعويض المادي دون حاجة إثبات أنها معسرة خلافا لفئات أخرى.
إلا أن الإشكال المطروح بالنسبة للزوج المتوفى بسبب حادثة سير، وعلى ذمته زوجة مغربية، وثبت فيما بعد أنه متزوج من أجنبية وله معها أبناء فهل تستحق هذه الأخيرة التعويض المادي؟ يجيب ذ. مونير نكبي باعتباره ممارسا أنه على حد علمه لم تعرض على المحاكم قضايا من هذا النوع. إلا أن إمكانية تطور هذه الحالة ممكنا بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، الذين ارتكبوا حوادث سير في المغرب، فقد يحدث أن يكون الضحية متزوج في المغرب وفي الخارج، دون أن تكون الزوجة في الخارج على علم، فهل تستفيد من التعويض؟
إن الفقه يجيب أن الزوجة الأجنبية حتى تستفيد من التعويض يجب عليها إثبات العلاقة الزوجية بعقد مدني، ما دام المشرع استعمل في الفصل 11 من ظهير 1984 تحدث عن التعويض المادي عبارة زوج ولم يتحدث عن كيفية الإثبات.

المطلب الثاني: التعويض عن الضرر المعنوي

إن مقاربتنا للضرر المعنوي سنقف عليها من خلال التصور القضائي نزولا عند منطق الدقة بداية وتوخيا للتقيد بالموضوع من جهة أخرى، فإذا كان المشرع قد حدد الأشخاص المستفيدين منه في المادة الرابعة وهو ما لا يطرح أية مشاكل لأن المادة الرابعة جاءت واضحة في هذا الخصوص وحددت الأشخاص المستفيدين منه حصرا في الزوج، وفروع الهالك، وأصوله ولعل أهم إشكال يطرح بالنسبة للتعويض عن الضرر المعنوي، والذي اختلف العمل القضائي بخصوصه، هو مدى إخضاع هذا النوع من التعويض لتشطير المسؤولية (الفقرة الثانية) من عدمه (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الاتجاه القاضي بعدم إخضاع هذا النوع من التعويض للتشطير

إن العمل القضائي من خلال أعلى هرم بالمملكة سار في بداية الأمر على عدم إخضاع هذا التعويض إلى تشطير المسؤولية وذلك لما يقرب عشر سنوات من دخول ظهير 1984 حيز التطبيق، حيث زكى مختلف محاكم الموضوع في عدم إخضاعها للتعويض عن الألم لتشطير المسؤولية مؤسسا تلك التزكية تارة على كون المادة الرابعة من ظهير 2/10/1984 لم تنص صراحة على إخضاع التعويض عن الألم لقسط المسؤولية كما هو وارد في قراره عدد 1447 الصادر بتاريخ 18/10/1989 المشار إليه بالصفحة 60 من كتاب قضاء المجلس الأعلى والقوانين المنظمة للسير لكريمة البوزيدي والذي جاء فيه: المادة 11 من ظهير 2/10/1984 توجب اعتبار قسط المسؤولية الذي يتحمله المسبب في الحادثة أو المسؤول المدني، لكن المادة 4 من نفس الظهير لم تنص على ذلك صراحة، وعليه ما دام النص ساكتا فإنه في حالة التعويض عن الضرر المعنوي لا ينبغي إخضاع مبلغ هذا التعويض لتجزئة المسؤولية، ويكون الدفع المثار بهذا الشأن في غير محله".
وأيضا في قراره عدد 6144 الصادر بتاريخ 23/11/1995 والمشار إليه بالصفحة 61 من نفس الكتاب وتارة أخرى على كون مقتضيات الفصل 11 من ظهير 2/10/1984 حصرت مبدأ إخضاع التعويضات المستحقة لضحايا حوادث السير لنسبة توزيع المسؤولية في الضرر المادي فحسب، وأن قضاة الموضوع لما اعتبروا أن مقتضيات الفصل المذكور لا تنطبق على التعويض المعنوي يكونوا قد طبقوا القانون تطبيقا سليما". كما هو وارد بالقرار عدد: 1531 الصادر بتاريخ 25/01/1996 المشار إليه هو الآخر بالصفحة 61 من نفس الكتاب.
وتارة ثالثة: على كون ظهير 2/10/84 يتعلق فقط بالتعويض عن الأضرار البدنية بينما يبقى التعويض عن الأضرار المعنوية خاضعا للقواعد العامة ولسلطة المحكمة، كما هو وارد بقراره عدد 7417 الصادر بتاريخ 04/07/1991 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 27 والذي جاء فيه: لما كان ظهير 02/10/1984 يتعلق فقط بالتعويضات البدنية التي يجب أن يراعى في تحديدها قسط المسؤولية المسبب في الحادثة أو المسؤول المدني، فإن المحكمة قد راعت أحكام هذا الظهير حين لم تخضع التعويض المعنوي لنسبة المسؤولية المذكورة التي تبقى خاضعة للقواعد العامة ولسلطة المحكمة.
فالمجلس الأعلى زكى في فترة تاريخية قضاء الموضوع حيث نلمس نوعا من الاستقرار في تبني عدم إخضاع التعويض المعنوي لتشطير المسؤولية، وما يسترعي الانتباه أن قضاء الموضوع في قرارات حديثة له تبنى موقف المجلس الأعلى لهذا الذي قضى بعدم تشطير المسؤولية نجد من بين المحاكم المحكمة الابتدائية بأسفي في حكم صادر بتاريخ 20/04/01 موضوع الملف الجنحي سير عدد 00/140
[17]، والمحكمة الابتدائية بالجديدة في حكم صادر بتاريخ 31/03/2003 عن المحكمة الابتدائية بالجديدة موضوع الملف الجنحي سير عدد 03/174[18].
إن هذا التصور لهو ما يحقق دور التأمين الاجتماعي ويتماشى مع منطق القانون خصوصا المادة 4، فكيف يمكن أن نزيد من تضييق الخناق على المتضررين والحال أن ظهير 1984، اعتبر تراجعا عن المكتسبات في تصور بعض الفقه
[19].

الفقرة الثانية: الاتجاه القاضي بإخضاع الضرر المعنوي للتشطير

إن القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى والتي نزلت بردا وسلاما على الأشخاص الذين تضرروا معنويا، ما لبث المجلس الأعلى أن بدأ يتراجع عن موقفه وطفق يقول بضرورة إخضاع التعويض المعنوي لتشطير المسؤولية مؤسسا موقفا جديدا.

  1. إما على كون الفصل 10 من ظهير 1984 يقضي بإخضاع التعويض عن الضرر المعنوي لتشطير المسؤولية كما جاء في قراره عدد 1101 الصادر بتاريخ 09/02/1993 الذي جاء فيه "مقتضى الفصل 10 من ظهير 1984 فإن التعويض عن الضرر المعنوي لا بد من إخضاعه لتشطير المسؤولية تكون المحكمة قد جانبت الصواب وعرضت قرارها للنقض عندما حكمت للأبوين بتعويض كامل عن الضرر المعنوي الذي أصابهما من جراء وفاة ابنهما القاصر دون إخضاع ذلك التعويض لتشطير المسؤولية"[20].
  2. إما على كون المبادئ العامة للمسؤولية تقرر أن المخطئ يتحمل وزر خطإه كما هو وارد بقراره عدد:115 الصادر بتاريخ 28/01/97 المشار إليه بالصفحة 59 من كتاب كريمة البوزيدي، وكذلك قرار آخر غير منشور صادر عن المجلس الأعلى في قراره عدد 3581 المؤرخ 28/09/2002 في موضوع الملف المدني عدد 99/01/1031 الذي جاء في بعض حيثياته "وأنه تطبيقا للقواعد العامة التي تفرض أن كل شخص يتحمل مسؤوليته في حدود خطئه، وأن سكوت الظهير في المادة الرابعة عن الأخذ بعين الاعتبار نسبة المسؤولية بالنسبة للتعويض المعنوي، لا تعني خروجها عن هذه القواعد التي يجب الرجوع إليها في حالة سكوت النص الخاص، وبذلك فإن محكمة الاستئناف لما قضت بعدم إخضاع التعويض المعنوي لنسبة المسؤولية تكون بذلك قد عللت قرارها تعليلا غير سليم وبنته على غير أساس من القانون وبالتالي عرضته للنقض بخصوص هذه النقطة[21]، وما يلاحظ على هذا القرار أن ما أسس عليه المجلس الأعلى موقفه في عدم إخضاع الضرر للتشطير عاد ليؤسس عليه أن الضرر حسب القواعد العامة يخضع للتشطير عاد ليأسس عليه أن الضرر حسب القواعد العامة يخضع للتشطير وكأن ما أعطاه المجلس الأعلى بيمناه عاد ليأخذه باليسرى.
 
 
التصميم:
 
المبحث الأول: العمل القضائي بشأن التعويضات المستحقة للمصاب
المطلب الأول: العمل القضائي بشأن استحقاق التعويض
الفقرة الأولى: إثبات الضرر بالخبرة الطبية
الفقرة الثانية: وسائل إثبات الدخل

  1. الضحية الذي لا يتوفر على دخل
  2. المصاب الذي يتوفر على أجر يستطيع إثباته بشهادة الأجر أو التصريح الضريبي:
  3. المصاب الذي يتوفر على الدخل ولا يستطيع إثباته بشهادة أجر أو تصريح ضريبي:
المطلب الثاني: العمل القضائي بشأن تعويض المصاب عن العجز
الفقرة الأولى: موقف القضاء من التعويض عن العجز البدني المؤقت
الفقرة الثانية: العمل القضائي بشأن تعويض المصاب عن العجز الدائم

  • التعويضات الأساسية:
  • التعويضات التكميلية:
المبحث الثاني: العمل القضائي بشأن التعويضات المستحقة لذوي حقوق المصاب
المطلب الأول: التعويض عن الضرر المادي
الفقرة الأولى: المستحقون للتعويض عن العجز الدائم مع وجوب الإثبات
أولا: الزوج المستحق للتعويض جراء فقده مورد العيش
ثانيا: استحقاق الفروع للتعويض المادي
ثالثا: تعويض الأصول
رابعا: الأشخاص الذي كان يعولهم الهالك دون أن يكون ملزما بالإنفاق عليهم
الفقرة الثانية: المستحقون للتعويض عن العجز الدائم دون إثبات الزوجة جراء فقد زوجها
المطلب الثاني: التعويض عن الضرر المعنوي
الفقرة الأولى: الاتجاه القاضي بعدم إخضاع هذا النوع من التعويض للتشطير
الفقرة الثانية: الاتجاه القاضي بإخضاع الضرر المعنوي للتشطير



الهوامش

[1]  فؤاد معلال: الوسيط في قانون التأمين، دراسة تحليلية على ضوء مدونة التأمين المغربية الجديدة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى: 2011، ص 236.
[2]  الأستاذ أحمد الذهبي: قضاء المجلس الأعلى والقوانين المنظمة للسير، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى: 2001 ص36.
[3]  وهذا حال مجموعة من القرارات راجع:
  1.  قرار المجلس الأعلى عدد 9128 صادر بتاريخ 27/9/1994 في ملف جنحي رقم 27457/91 منشوربمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية من 1981 إلى 1994 ص 420 وبقضاء المجلس الأعلى عدد 47 ص 207.
  2.  قرار المجلس الأعلى عدد 11850 صادر بتاريخ 1/11/1994 منشور بقرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية (61-97) في ذكرى الأربعينيات. ص 181.
[4]  حيث جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 2083 صادر بتاريخ 27/07/1994 في ملف جنحي سير 3653/3293/93 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 73 ص 44 "اجتهاد هذه الغرفة بالنسبة لهذا الموضوع درج على منح الطفل القاصر هذا النوع من التعويض اعتبارا لكون المشرع افترض حد أدنى للأجر يمنح للمتضرر الذي لا كسب له حتى بالنسبة لهذا النوع من العجز مسايرة منها في ذلك للاجتهاد القضائي الفرنسي والذي يعوض مثل هذا النوع من الضرر ويسميه بالضرر الفيزيولوجي وذلك في حالة عدم وجود ضرر اقتصادي لحالة المرأة بدون مهنة أو الطفل في حالة العجز الكلي المؤقت".
[5]  فؤاد معلال: م.س. ص 240-241.
[6]  الأستاذ أحمد الذهبي م.س. ص 34.
انظر قرار المجلس الأعلى عدد 5587 الصادر بتاريخ 21/06/1994 منشور بقرارات المجلس الأعلى/ المادة الجنائية بمناسبة ذكراه الأربعينية ص 173.
[7]  الأستاذ أحمد الذهبي م.س. ص 36.
[8]  فؤاد معلال: م.س. ص 246.
[9]  وهو نفس الرأي أكده المجلس الأعلى في مجموعة من القرارات منها: قرار عدد 402/11 المؤرخ في 24/03/2004 ملف جنحي رقم 4665/3 ورد في مؤلف الأستاذ أحمد الذهبي م.س. ص 44.
[10]  ذ: حسن البكري: قضاء المجلس الأعلى في حوادث السير، مكتبة الرشاد، ص 26.
[11]  أورده ذ.مونير نكبي: إشكالية التعويض عن حوادث السير في القانون المغربي ص 172.
[12]  مونير نكبي: إشكالية التعويض عن حوادث السير في القانون المغربي، دار النشر سومكرام، طبعة 2010، ص 173 بالهامش.
[13]  منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 57-58 ص 404- 405.
[14]  مونير نكبي: م.س. ص 176- 177.
[15]  قرار المجلس الأعلى عدد 2538 في القضية المدنية عدد 3997/87 تاريخ 4/5/95 غير منشور، أورده محمد أوغريس في مرجع سابق ص92.
[16]  مونير نكبي: في هامشه، مرجع سابق، ص 178.
[17]  أورده مونير نكبي في مرجع سابق ص 167.
[18]  مونير نكبي: م.س. ص 167.
[19]  
[20]  قرار منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 70، ص 58.
[21]  أورده مونير نكبي: م.س ص 168.



المصدرhttp://www.marocdroit.com/العمل-القضائي-بشأن-التعويض-عن-حوادث-الشغل_a3885.html




ifttt
Put the internet to work for you. via Personal Recipe 2937150