الطالب الباحث : بليغ بشر إشراف الدكتور : محمد يحيا
لما كانت الإدارة وسيلة للتغير والتطوير، فإنه لابد من تنميتها لكن تواكب متطلبات التغيير والتطوير، وفي سبيل تطوير هذه الغاية، تواجهه التنمية الشاملة معوقات تحد من كفاءتها وفعاليتها وتحد من قدرتها على الوصول إلى أهدافها وهذه المعوقات أيضا تحد من كفاءة وقدرة التنمية الإدارية، إلا أن هذه المعوقات تختلف من دولة إلى أخرى ومن بيئة إدارية إلى أخرى ويمكن تقسيم هذه المعوقات إلى معوقات سياسية وإدارية (الفقرة الأولى)، ومعوقات مالية واجتماعية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المعوقات السياسية والإدارية أولا: المعوقات السياسية إن النظام السياسي في أي مجتمع من المجتمعات، تؤثر في النظام الإداري ويتأثر به، لأن كلا من هذين النظامين يمثل حلقات متداخلة في إطار النظام الاجتماعي، ومن هنا فإن التداخل والتلازم والتكامل طبيعة العلاقات التي تربط بين السياسة والإدارة ومن المستحيل على إدارة التنمية أن تنمو وتتطور في ظل نظام سياسي غير مستقر[[1]]url:#_ftn1 . فالقرارات الاستثمارية والمالية وبرامج التنمية يتطلب نجاحها ضرورة توافر عناصر الاستقرار[[2]]url:#_ftn2 . وبالإضافة، فإن الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري لم يستقر على حال في ظل النظام السياسي غير المستقر، حيث تتوسع الوزارات أو تتقلص، وتلغى أو تدمج لأسباب لا صلة لها بعمليات التنمية الإدارية، كذلك الحال بالنسبة لأجهزة القطاع العام، فهي الأخرى تلغى أو تدمج عن كل عهد جديد تبعا للأهواء والمصالح الشخصية للقيادات السياسية، مما يخلف فوضى إدارية تبرز في عدم التنسيق بين القرارات السياسية السريعة وبين القرارات الإدارية المتأنية، الأمر الذي يزيد من حجم المعوقات الاقتصادية، ويصعب اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق التنمية الإدارية. ويبرز اختلال التوازن بوضوح كلما اتجهنا نحو الدول النامية حيث تسعى سلطاتها في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي إلى الهيمنة الكاملة على الإدارة، مما ينعكس سلبا على قدرتها وإمكانياتها في تحقيق أهدافها "الإدارة" التخصصية المبنية على الاستمرارية والبقاء من أجل المصلحة العامة، فتتعرض أجهزتها مع كل تغير أو انتقال للسلطة إلى[[3]]url:#_ftn3 : 1- تطهير بعض أجهزتها الإدارية، بأبعاد عناصر تعتبرها السلطة عناصر معارضة أو يشك في ولائها. 2- إحلال عناصر جديدة موالية سياسيا ولو كانت ذات خبرة أقل. 3- تغير خطط وبرامج التنمية، أو إجراء تعديلات متعددة عليها وبشكل قد لا يكون كما يجب ولكن الآثار السلبية لهذا الأمر تبرز نتائجها في إجهاض جهود لإصلاح الإداري حيث تتركز عمليات التطهير بصفة أساسية على عناصر القيادة العليا، باعتبارها تمثل الفئة الفاعلة والمؤثرة على الأداء بحكم خبرتها على التفاعل مع الجوانب الاقتصادية والقانونية الفنية والسياسية، حيث أن الاعتماد على إحلال العناصر الموالية سياسيا دون دراسة موضوعة لمؤهلاته وخبراته ومؤهلاته، سوف يؤثر بالتأكيد على فعلية موضوعية جهود الإصلاح، كما أن سعي السلطة السياسية لتحقيق إنجازات ومكتسبات سياسية، واعتمادها لمشاريع وبرامج تفتقر إلى الدراسة والتحليل العملي- سيضع الجهاز الإداري الذي يعاني بالأساس من ضعف تكوينه وخبرته في وضع لا يحسد عليه، نتيجة عجزه عن تنفيذ ما تم تبنية وظهور الأزمات والاختناقات وتفاقم الأزمات. ثانيا: المعوقات الإدارية[[4]]url:#_ftn4 من المعوقات الإدارية منها ما يرتبط بالبنية الإدارية نفسها ومنها ما يرتبط بالموارد البشرية والتي تعرقل تنفيذ خطة التنمية الإدارية وهي: أ- المعوقات المرتبطة بالبيئة الإدارية: من الملاحظ أن في ميدان التنمية الإدارية أن هناك معوقات مرتبطة بالبيئة الإدارية وهي: 1- مشكلة القيادات الإدارية وتظهر مشكلة القيادة الإدارية في: - إن أفراد القيادة الإدارية هم أفراد غير مؤهلين وغير متخصصين. - عدم انسجام القيادات الإدارية مع متطلبات وخصائص التنمية الإدارية الموضوعة. - ضعف المؤهلات والمهارات القدرات القيادية مما ينعكس أثرة على التنمية الإدارية. 2- فقدان الأصالة وفقدان الابتكار والتجديد وعدم توليد الجديد على ضوء المستجدات البيئية المتغيرة. 3- فقدان الخطة الشمولية حيث تعمل كل إدارة بشكل منفرد، وفقدان الترابط بين أجهزة التنمية الإدارية ومعاهدها ومؤسساتها ومنظماتها. وهذا ما يجعلها منفردة وليس في إطار تنظيمي متكامل. 4- النمو العشوائي لأجهزة الدولة وزيادة عدد الموظفين في الأجهزة الحكومية. 5- تفشي البيروقراطية والتمسك بالمركزية الشديدة في اتخاذ القرارات مما يقلل من فاعلية القرارات المتخذة ويحد من كفاءة تطبيقها. 6- الروتين وطول الإجراءات الذي يسبب الرشوة وضياع المال العام وانتشار المحسوبية. 7- هجرة الخبرات الإدارية والاعتماد على الخبرة الأجنبية، حيث أن معظم خبراء التنمية الإدارية في الدول النامية يهاجرون إلى الدول المتقدمة، أما طلب للكسب المادي المعنوي، أو هروبا من الضغط والإكراه السياسي، وبالتالي فإن الاعتماد على الخبراء الأجنبية لا تجدي نفعا لأنها لا تتكيف مع ظروف البيئة الجغرافية والتاريخية والثقافية للمجتمع الإداري[[5]]url:#_ftn5 . 8- عدم اعتماد التكنولوجيا الحديثة نتيجة لعدم توفر البيئة الملائمة، والافتقاد إلى المعاهد المتخصصة في إعداد تنفيذ خطط التنمية الإدارية، كمعهد الإدارة والتنظيم ومعهد التدريب الإداري، ومعهد البحث الميداني. ب- المعوقات المرتبطة بالموارد البشرية: إن المعوقات المرتبطة بالموارد البشرية والمؤثرة على فاعلية برامج التنمية الإدارية هي[[6]]url:#_ftn6 : 1- غياب العلاقة الإنسانية وفقدان الثقة بين الإدارة ومواردها البشرية. 2- مقاومة التغيير وعدم قبول كل جديد. 3- عدم ربط الأجر بالإنتاج. 4- عدم بالتوافق بين اختصاصات الموارد البشرية ومتطلبات التنمية الإدارية. 5- انتشار الفساد الأخلاقي والإداري. 6- سوء تحديد الحجم الأمثل من الموارد البشرية. 7- فقدان أنشطة التنمية الإدارية والوسائل الموضوعة في تقييم الموارد البشرية. 8- انتهاز الفرص للوصول إلى المناصب الإدارية. 9- نقص المدربين المؤهلين الأكفاء القادرين على النهوض بأعباء التنمية الإدارية. هذه الإضافة إلى عدد من المعوقات المرتبطة بالتنظيم والتشريعات والقوانين والطابع البيروقراطي وعدم إتباع الأسلوب العلمي في الإدارة[[7]]url:#_ftn7 . ولما كانت التنمية الإدارية عملية ذات طبيعة معقدة لارتباطها بالأنماط السلوكية للأفراد والجماعات داخل وخارج المجتمع الإداري، فإنه يتطلب لإنجاح هذه التنمية إجراء دراسة وبحوث لمعوقات السلوك الإداري داخل الجهاز الحكومي المعين بهدف تشخيص المعوقات الإدارية، ووضع الحلول الملائمة للتغلب عليها. الفقرة الثانية: المعوقات المالية والاجتماعية أولا: المعوقات المالية من العوامل الأساسية التي تحدد مدى نجاح برامج التنمية الإدارية، وهو عدم توفر الموارد المالية الضرورية ونظرا لأن عملية التنمية الإدارية تتسم بالاستمرارية، وتشمل كل عناصر الجهاز الإداري للدولة، نظما وتنظيما وإفرادا، فإن نجاحها يتطلب تمويلا ضخما، يعجز الوعاء الضريبي عن توفيره، بيسر وسهولة، وفي معظم الدول النامية، وفي هذه الحالة لابد من توفير موارد اقتصادية ثابتة من أجل المحافظة على استمرار عمليات التنمية الإدارية، لأن نفقات تطوير الهياكل التنظيمية لأجهزة الدولة وتطوير أساليب العمل فيها، وتطوير أساليب ومهارات العاملين فيها تكون باهظة، وقد يقتضي إدخال أساليب عمل حديثة، تشمل جميع المستويات الإدارية في كل أجهزة الدولة[[8]]url:#_ftn8 . كذلك الحال بالنسبة لتطوير وسائل العمل الإداري، وبخاصة الالكترونية التي يتطلب شراؤها وتركيبها والتدريب عليها أموالا طائلة،وبناء على ذلك فإن نقص الإمكانات المادية يتسبب في عرقلة تنفيذ خطط التنمية الإدارية أو عدم تحقيقها على الوجه المطلوب[[9]]url:#_ftn9 . لذلك على الدول التي لا تستطيع تمويل خططها التنموية أن تلجأ إلى طلب المساعدات من الدول المتقدمة وإلى القروض والمساعدات[[10]]url:#_ftn10 والمعونات الخارجية، والعمل على توفير التمويل المحلي في المستقبل لخدمة التنمية الإدارية التي يجب أن تعزز أصلا الاستقلال السياسي للبلد المعين، وأن تساهم في تطوير اقتصاده الوطني وحل قضايها الاجتماعية. ثانيا: المعوقات الاجتماعية تواجه جهود التنمية الإدارية في الدول النامية، الكثير من المشكلات الاجتماعية، وتأتي على رأس هذه المشكلات مقاومة التغيير داخل وخارج نطاق الجهاز الإداري وخاصة أولئك الذين عاشوا في فترات سادت فيها المفاهيم التقليدية لوظائف الإدارة العامة، أنهم يجدون صعوبة كبيرة في قبول الأفكار والمفاهيم الجديدة، هذا إلى جانب أن التباين الثقافي والاجتماعي والتركيب القبلي في كثير من المجتمعات يشكل هو الآخر عقبة أخرى للتنمية. وعليه فإن المعوقات الاجتماعية لها جانبان[[11]]url:#_ftn11 : الجانب الأول: يتعلق بالقيم الاجتماعية التي هي مجموعة المعتقدات التقاليد والأعراف والتي يرثها جيل بعد جيل في المجتمع، والتي تتكون بالاكتساب الاجتماعي والثقافي والسلوكي من جهة أخرى. الجانب الثاني: من المعوقات الاجتماعية فيتعلق بالانتماءات التي يكاد لا يخولها منها أي مجتمع كالانتماءات الدينية والطائفية، والإقليمية والقبلية والطبقية والتي تكون عادة متداخلة فيما بيتها. وبناء على ذلك فإن التغير المستهدف، في خطة التنمية الإدارية يثير المخاوف لدى هذه الانتماءات خوفا على مصالحها ،كل ذلك يقتضي من خبراء التنمية الإدارية تفهم الواقع الاجتماعي الذين يعملون فيه، وأبعاد التغير الاجتماعي المطلوب،وربط جهود التنمية الإدارية بالتنمية الاجتماعية من خلال البحوث الدراسات التي يقوم بها علماء الاجتماع لتحديد أثار الانتماءات الإيجابية والسلبية على جهود التنمية من أجل تجنب المقاومة للتغير.
الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 - وفي ظل النظام السياسي غير المستقر، وبخاصة في الدول النامية التي ربطت وتربط سياسة تنفيذ خطط التنمية الإدارية بأشخاص الوزراء، الذين يختارون لاعتبارات سياسية، دون النظر إلى اعتبار مدى إدراكهم لأهمية التنمية الإدارية ومتطلباتها من جهة، وإلى سرعة تغيرهم الذي يؤدي إلى سرعة معدلات تغير السياسة الإدارية العامة وعدم ظهور نتائج إيجابية لأي منها من جهة أخرى.
[[2]]url:#_ftnref2 - موسى أللوزي، التنمية الإدارية ،المفاهيم، الأسس، التطبيقات، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ،2001م،مرجع سابق، ص 74.
[[3]]url:#_ftnref3 - ديالا الحاج عارف: "الإصلاح الإداري الفكري والممارسة"، دار الرضاء للنشر ،الطبعة الاولى، دمشق، 2003م، ص 58.
[[4]]url:#_ftnref4 - رعد حسن الصرن: "التنمية الإدارية في القرن الواحد والعشرين"، دار الصادر للنشر والتوزيع، 2002م، ص 402.
[[5]]url:#_ftnref5 - عبد الهادي حسين الهمداني،التنمية الإدارية في الجمهورية اليمنية، دراسة تطبيقية نظرية ،الكتاب الأول، صنعاء ، ص 115.
[[6]]url:#_ftnref6 - رعد حسين الصرن: "التنمية الإدارية في القرن الواحد والعشرين"، مرجع سابق، ص 79.
www.ahewar.org/debat/show.art .
[[7]]url:#_ftnref7 - راجع رعد حسن الصرن، مرجع سابق، ص 411.
[[8]]url:#_ftnref8 - راجع في هذا الموضوع: رعد حسن الصرن، مرجع سابق، ص 404.
- موسى أللوزي، مرجع سابق، ص 74.
[[9]]url:#_ftnref9 - ديالا الحاج عارف: "الإصلاح الإداري والفكر والممارسة"، مرجع سابق، ص 62.
[[10]]url:#_ftnref10 - للمزيد من الإطلاع على أنواع القروض العامة والآثار الاقتصادية والمالية للقروض العامة، راجع مصطفى حسين المتوكل، اقتصاديات المالية العامة دراسة في اتجاهات المالية العامة في الدول النامية مع التطبيق على الجمهورية اليمنية، مرجع سابق، ص 185.
[[11]]url:#_ftnref11 - عبد الهادي حسين الهمداني، مرجع سابق، ص 112.
المصدرhttp://www.marocdroit.com/ | |||
0التعليقات :