المخطط التشريعي للحكومة: وسيلة جديدة للحد من استقلالية السلطة التشريعية



الأستاذ بنيونس المرزوقي
المخطط التشريعي للحكومة: وسيلة جديدة للحد من استقلالية السلطة التشريعية

أثار الحديث عن المخطط التشريعي للحكومة، ومنذ تنصيبها، جدلا واسعا حول أهميته. وقد تم تقديمه في مختلف وسائل الإعلام، مع الإشادة بهذا العمل، سواء في صيغته الأولية، أو في صيغته النهائية.



لكن المثير للاهتمام، والذي أعتقد أنه يستحق النقاش، هو عملية إرسال المخطط التشريعي للحكومة إلى البرلمان. فالأمر أصبح يتعدى منهجية التخطيط كوسيلة عمل حكومية داخلية (أولا)، إلى وسيلة للمس باستقلالية السلطة التشريعية (ثانيا).



أولا: المخطط التشريعي كوسيلة عمل حكومية داخلية



إن العمل الذي قامت به الحكومة يستحق التنويه على أكثر من مستوى.



فمن ناحية أولى، أبرز المخطط أن هناك إرادة سياسية للعمل الحكومي كفريق منسجم، وليس كمجموع قطاعات وزارية منفصلة عن بعضها البعض. وهذا تطبيق إيجابي لمقتضيات الدستور الجديدة. لقد تم تفعيل مؤسسة رئاسة الحكومة كأعلى جهة تنسق العمل الحكومي العلام، من خلال تنسق مختلف النشاطات الوزارية، وكل ذلك في اتجاه خلق سياسة عمومية في مجال التشريع (رغم أن الدستور من زاوية حرفيته، لم يشر ضمن المجالات التي يتم الاول فيها بمجلس الحكومة في الفصل 92 إلى شيئ من قبيل المخطط التشريعي).

ومن ناحية ثانية، أبرز المخطط التشريعي للحكومة، المجالات التي تنوي تنظيمها تطبيقا لبرنامجها الحكومي ومدى استجابة ذلك للانتظارات الشعبية، حتى يكون الجميع على بينة مما تنوي الحكومة تطبيقه خلال ولايتها.



إن هذه العملية، بغض النظر عن أي موقف من سياسة الحكومة، تدل على الرغبة في خلق دينامية حكومية جديدة، مبنية على وضوح الرؤيا وعلى اهداف محددة مسبقة. لذلك، فالأمر لا يمكن إلا أن يكون بداية لتقليد محمود نتمنى له الاستمرارية، خاصة من زاوية التقليص من هيمنة الأمانة العامة للحكومة وإرجاعها إلى حجمها الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون مهيمنا على عمل رئاسة الحكومة إن لم نقل على الحكومة بأكملها.



ثانيا: إرسال المخطط التشريعي إلى البرلمان



لست أدري في البداية، في أي خانة سيتم إدراج هذه المراسلة، فمقتضيات الدستور واضحة، كما أن اختصاصات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية واضحة.



إن الدستور، قد جعل من البرلمان السلطة التشريعية الكاملة، فهو الجهة الدستورية الرئيسية لإصدار القوانين. ورغم أن المغرب، اعتمد منذ أول دستور نظام العقلنة البرلمانية التي توسع من مجال تدخل الحكومة في العمل التشريعي، وتجعل من السلطة التنفيذية "الممون" الرئيسي للبرلمان عن طريق مشاريع القوانين، فإن ذلك لا يمكن أن يرهن الزمن البرلماني المستقبلي.



وتتمثل العقلنة البرلمانية، في منح العديد من الوسائل والتقنيات التي تمكن سلطة التنفيذية من توجيه العمل التشريعي، والتحكم في جدول الأعمال، وتحديد الأسبقيات، بل والضغط على البرلمان للموافقة على مشاريعها... لكن رغم كل ذلك، فإن السيادة مع ذلك، تبقى للبرلمان الذي يتعامل مع النصوص الحكومية وفق مساطره الداخلية.



وبالرجوع إلى المخطط التشريعي للحكومة، نلاحظ أن إرساله للبرلمان، توجيه وتأثير وضغط مباشر على السلطة التشريعية التي عليها أن تخصص الزمن البرلماني لهذا المخطط.



ولهذا، فإنه من المهم هنا طرح التساؤلين التالييين:



- ماذا تبقى من الزمن التشريعي للبرلمان؟



لا أعتقد أن الهدف من إرسال المخطط التشريعي إلى البرلمان هو المصادقة طلب عليه، لأن هذا لا يدخل ضمن صلاحيات البرلمان كما هي محددة في الدستور. إذن فالغرض بصفة عامة هو غرض إخباري فقط وينبغي ألا يتعدى ذلك.



لكن لما أصرت الحكومة على هذه العملية؟



ينبغي هنا استحضار المعطيات التالية:



إننا نعرف ما تبقى من ولاية مجلس النواب الحالي؛



ونعرف أن الدورات الخريفية سيتحوذ عليها القانون المالي أساسا؛



كما ندرك، أن النصوص المرتبطة بتطبيق الدستور ستأخذ الوقت الكثير من أشغال البرلمان؛



يضاف إلى ذلك، أن العمل الرقابي التقليدي للبرلمان بمختلف أنواعه له حصة من الزمن البرلماني؛



أضف إلى ذلك، الأشكال الرقابية الجديدة (جلسات الاستماع إلى تقارير بعض الهيئات الدستورية، تقييم السياسات العمومية...)، يلزمها نصيب من الزمن البرلماني؛

كما أن الدستور منح للمعارضة نصيبها من عمل المؤسسة التشريعية؛



فماذا تبقى من الزمن البرلماني؟



- هل الهدف هو "حجز" حيز زمني مسبق للحكومة؟



أعتقد أن إرسال المخطط التشريعي للحكومة إلى البرلمان يدخل في هذا الإطار. ورغم "نبل" الفكرة، فإنها تدخل في خانة المزيد من التضييق على حرية البرلمان من اتخاذ المبادرات من جهة، وقطع الطريق على مقترحات القوانين من ناحية أخرى.



لقد درجت العادة في العمل البرلماني، أن تتاح الفرصة لأعضاء مجلسي البرلمان للتقدم بمقترحات قوانين، إلا أن هذه الممارسة الجديدة بوضع مخطط تفصيلي سيقطع الطريق على هذه المبادرات الذاتية. فالحكومة سيصبح من حقها ابتداء من الآن أن ترفض أي مقترح قانون يتناول مجالا يدخل ضمن المخطط التشريعي. مع العلم ان الدستور في الفصل 78 سوى بين رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان في التقدم باقتراح القوانين.



فماذا تبقى لأعضاء مجلسي البرلمان والفرق والمجموعات النيابية؟



إن وجهة النظر هذه، لا تعني بأي حال من الأحوال، مصادرة حق الحكومة في تنظيم عملها الداخلي في مختلف المجالات، بما في ذلك الجانب التشريعي، لكن في نفس الوقت دون مصادرة حق البرلمان والتقليص من هامش تحركه وبشكل مسبق.



سبق نشره عبر موقع هسبريس